
استعمل قواك النفسية في مصارعة ضعفك النفسي وخضوعها للمعصية، وفن الاستقواء بقوى القيم الحسنة في مواجهة الضعف أمام المعصية والانسياق لها، فلديك خوف على سمعتك بين الناس وتقليلهم لقيمتك إن علموا بتلك المعاصي فاستعملها في مواجهة معاصيك التي إن اتسعت سوف تشعر بالأذى النفسي حين ظهورها للناس، ولديك خوف على عرضك وغيرة عليهم فاستعمله لمواجهة تعرضك لأعراض الناس واستسهالها فكما تخاف على زوجتك وأختك من تعرض الآخرين لهما فكذلك حاذر من التعرض للآخرين،
وكلما اقتربت من الله بطاعاتك وخوف الوقوع في المعصية كلما ارتقت النفس من مرتبة لأخرى وهي تخطو من مرحلة لأخرى ومن درجة لأعلى (حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك) وهي مرتبة الهدوء والاستقرار والاطمئنان لتنتقل من مرتبة عظيمة إلى أخرى أعظم واثبت، إلى أن تتصلب وتتأصل وتصبح سمة من سماتك لا يمكنك التراجع عنها بل لا تقبل بالنزول درجة أدنى مما وصلت، وعندما تبدأ حالة التأصل في القرب من الله سبحانه فاستفد منها لتثبيت تلك المرحلة بالمزيد من العبادة والتفكر فيه وربط النفس وتثبيتها به سبحانه طمعًا في جنته ورضاه ووسع من حالة الانفتاح تلك بمزيد من الخير بالصدقة وعمل البر وكلما ارتقيت درجة فثبتها بما يحفظ كفاءة تلك المرحلة وتقويتها وإسنادها لتستعد لدرجة أعلى حتى تصل إلى المراتب العليا، وكلما انتقلت إلى درجة أعلى حافظ عليها بالمزيد من التثبيت والعمل المستمر وعاجل الذنب بالتوبة والتعهد بعدم العود إليه.
ولا تشعر نفسك أن القرب من الله له مرتبة واحدة فإما قُرب أو بُعد بل هي درجات، وحتى الزهد والعبادة والتقوى وغيرها هي مراتب مختلفة وتتعدد بتعدد موازين تقييم روح العلاقة ومكانتها، وأهمها التقوى لما فيه من درع صون وحماية للنفس، ولعل كلمة أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة "وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى" هي اختصار لمسافات وكلمات كثيرة حول كيفية التعامل مع النفس وترويضها بـ "حكمة وبصيرة ووعي"، بالاستفادة من قوى لمصارعة مواقع الضعف والنزول الشهوي والتلذذ به لما فيه من هوى بالنفس وسهولة الانسياق له إذا لم نضع سندًا يحميه ويقويه لمصارعة تلك النزوات النفسية خصوصًا مع وجودها وسهولة الانسياق معها وحين تختفي سُبل فضائحها.
نجد من خلال الرواية السجادية في الكافي بيان درجات القرب من الله فنجد الزهد وأعلى منه الورع وأعلى منه اليقين وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام "إن تقوى الله عمارة الدين وعماد اليقين.." فالتقوى عماد وأساس اليقين وأعلى من اليقين هو الرضا وهي أعلى المراتب {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
إن التوجيه النبوي في خطبة آخر جمعة من شعبان تحمل توجيهًا عظيمًا وهو {الوَرَعُ عَن مَحَارِمِ الله عزَّ وجلَّ} والورع هو الكف عن المحارم واجتناب الشبهات، وكلما كفت النفس كفَ يقين وثبات قويت في مصارعة المعصية ولذة اقترافها.