
يبدو أن الذكاء الاصطناعي أطال الله في عمره الرقمي، وأقصى ظله عن أقسام المقالات في الصحف، قرر أن يُجرب حظه في كتابة المقالات، لا كأداة مساعدة في التدقيق الإملائي، بل ككاتب رئيسي، والكارثة أن بعض الكتّاب وافقوا بسرور أن يكونوا مجرد اسم في أسفل النص، وتناسوا أو تظاهروا بالنسيان، أن القارئ اليوم ليس ابن البارحة.
مقالات تصلك، خالية من أي نبضة حياة، كلمات مرتبة، وكأنها خارجات من مصفف لغوي، تقرأ وتقول "يا ساتر"، من هذا الشخص المُلهم، ثم تنزل إلى التوقيع؛ لتكتشف أن صاحبها هو ذاك الكاتب المعروف، الذي لم يُعرف يومًا بهذه النعومة، فتفهم حينها أن الذكاء كتب، والكاتب وضع اسمه من باب....
المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في الكاتب الذي أصبح كالممثل، يوقّع على مقال لم يكتبه، ولم يفكر فيه، وربما لم يقرأه كاملًا، إنه فعليًا آخر من يعلم أنه أصبح مادة للتندر بين القرّاء، الذين صاروا يتداولون المقالات قائلين: ترى هذا من كتابة الذكاء، والاسم المكتوب عليه ضحية جديدة.
وهنا لا بد من القول بأن هذا لا ينطبق على جميع الكتاب، فهناك أقلام حقيقية ما زالت تنبض بالحسّ، ولغتها معروفة، تكتب بمشاعرها وقلبها وأصابعها، كُتاب نحترمهم، فالنقد هنا موجه لفئة محددة اختارت أن تركب الموجة، ظنًا أن القارئ لن يلاحظ.
المصيبة بأن هؤلاء الكتاب، يواصلون نشر هذه المقالات، وكأنهم لا يعلمون أنهم باتوا مكشوفين، لا للخبراء، بل للعامة، فلم يعد أحد يقرأ مقالًا بجدية إذا عرف أن كاتبه من هواة "انسخ والصق"، بل إن بعض القراء صاروا يتعاملون مع مقالاتهم كما يتعاملون مع فقرة برجك اليوم، يهزون رؤوسهم، ويتجاوزونها.
بل حتى نمط المقالات بات مفضوحًا، مقدمة رنانة، استشهادات محفوظة، سؤال بلاغي، خاتمة تتمنى فيها الخير للبشرية، نفس القالب، نفس الأسلوب، نفس الملل، والكاتب هنا لا يكتب، بل يحرّر مقالة كتبها الذكاء الاصطناعي على عجل، وهو يظن أن لا أحد سينتبه، والحقيقة بأن الجميع انتبه، سوى الكاتب نفسه.
فالنتيجة، لا رأي، لا موقف، بل مجرد واجهة لمحتوى معلب، أما القارئ فقد حفظ اللعبة، بل أصبح يترقب المقالات الجديدة من هذا النوع، لا ليقرأها، بل ليتحقق من مدى غفلة الكاتب الذي في اعتقاده أن الناس ما زالوا يصدقونه.
وللحق، لم يعد الأمر يثير الغضب بقدر ما يثير الشفقة، كاتب يتباهى بمقال هو آخر من يعلم أنه لا يخدع به أحدًا، ويتصرف كما لو أنه قد أمسك بالحكمة من ذيلها، بينما الحقيقة أنه أمسك بجهاز وكتب: أعطني مقالًا أنشره باسمي.
وما نود قوله بصدق لا يخلو من محبة أننا كنا نستمتع في السابق بكتاباتكم، استمتعنا جدًا، حتى وإن كنتم أنتم ترون أن أسلوبها ركيك مقابل الكاتب فلان، أو ضعيف مقارنة بالكاتب فلان، فهذا خطأ، نحن كنّا نقرأ ونستمتع بكل تعبير، سواء كان قويًا أو بسيطًا؛ لأننا كنا نشعر أن النص خارج من قلب الكاتب، يحاول أن يعبر عن مشاعره بكل ما أوتي من قوة، سواء استطاع أن يوصل الفكرة أم لا، كان الأمر ممتعًا؛ لأنه إنساني، أما الآن، فالموضوع مصيبة كبيرة.
أخيرًا، يا كاتبنا العزيز، القارئ لم يعد يتابع مقالاتك -كما في السابق-، بل أصبح يتساءل أحيانًا عن مدى انسجامها مع أسلوبك المعروف، فكن حريصًا على أن يبقى اسمك عنوانًا للحضور الحقيقي لا مادة للتعليقات العابرة.
وختامًا، فإن هناك فرق بين كتابة المقال وتحرير الخبر، فالخبر يحتاج إلى من يحرره وفق توجه أو سياسة وستايل الصحيفة، أما المقال فهو رأيٌ شخصي، ومشاعر يكتبها صاحبها كما يشعر بها، لا كما يُملى عليه، فمن غير المنطقي أن تستعين بمشاعر خارجية كي تعبر عن داخلك، فالمقالات من هذا النوع تُكتب لتُحسّ، ومن يُحاول التعامل معها، كمواد تحريرية جاهزة فقد أساء الفهم والمقصد.
مقالات تصلك، خالية من أي نبضة حياة، كلمات مرتبة، وكأنها خارجات من مصفف لغوي، تقرأ وتقول "يا ساتر"، من هذا الشخص المُلهم، ثم تنزل إلى التوقيع؛ لتكتشف أن صاحبها هو ذاك الكاتب المعروف، الذي لم يُعرف يومًا بهذه النعومة، فتفهم حينها أن الذكاء كتب، والكاتب وضع اسمه من باب....
المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في الكاتب الذي أصبح كالممثل، يوقّع على مقال لم يكتبه، ولم يفكر فيه، وربما لم يقرأه كاملًا، إنه فعليًا آخر من يعلم أنه أصبح مادة للتندر بين القرّاء، الذين صاروا يتداولون المقالات قائلين: ترى هذا من كتابة الذكاء، والاسم المكتوب عليه ضحية جديدة.
وهنا لا بد من القول بأن هذا لا ينطبق على جميع الكتاب، فهناك أقلام حقيقية ما زالت تنبض بالحسّ، ولغتها معروفة، تكتب بمشاعرها وقلبها وأصابعها، كُتاب نحترمهم، فالنقد هنا موجه لفئة محددة اختارت أن تركب الموجة، ظنًا أن القارئ لن يلاحظ.
المصيبة بأن هؤلاء الكتاب، يواصلون نشر هذه المقالات، وكأنهم لا يعلمون أنهم باتوا مكشوفين، لا للخبراء، بل للعامة، فلم يعد أحد يقرأ مقالًا بجدية إذا عرف أن كاتبه من هواة "انسخ والصق"، بل إن بعض القراء صاروا يتعاملون مع مقالاتهم كما يتعاملون مع فقرة برجك اليوم، يهزون رؤوسهم، ويتجاوزونها.
بل حتى نمط المقالات بات مفضوحًا، مقدمة رنانة، استشهادات محفوظة، سؤال بلاغي، خاتمة تتمنى فيها الخير للبشرية، نفس القالب، نفس الأسلوب، نفس الملل، والكاتب هنا لا يكتب، بل يحرّر مقالة كتبها الذكاء الاصطناعي على عجل، وهو يظن أن لا أحد سينتبه، والحقيقة بأن الجميع انتبه، سوى الكاتب نفسه.
فالنتيجة، لا رأي، لا موقف، بل مجرد واجهة لمحتوى معلب، أما القارئ فقد حفظ اللعبة، بل أصبح يترقب المقالات الجديدة من هذا النوع، لا ليقرأها، بل ليتحقق من مدى غفلة الكاتب الذي في اعتقاده أن الناس ما زالوا يصدقونه.
وللحق، لم يعد الأمر يثير الغضب بقدر ما يثير الشفقة، كاتب يتباهى بمقال هو آخر من يعلم أنه لا يخدع به أحدًا، ويتصرف كما لو أنه قد أمسك بالحكمة من ذيلها، بينما الحقيقة أنه أمسك بجهاز وكتب: أعطني مقالًا أنشره باسمي.
وما نود قوله بصدق لا يخلو من محبة أننا كنا نستمتع في السابق بكتاباتكم، استمتعنا جدًا، حتى وإن كنتم أنتم ترون أن أسلوبها ركيك مقابل الكاتب فلان، أو ضعيف مقارنة بالكاتب فلان، فهذا خطأ، نحن كنّا نقرأ ونستمتع بكل تعبير، سواء كان قويًا أو بسيطًا؛ لأننا كنا نشعر أن النص خارج من قلب الكاتب، يحاول أن يعبر عن مشاعره بكل ما أوتي من قوة، سواء استطاع أن يوصل الفكرة أم لا، كان الأمر ممتعًا؛ لأنه إنساني، أما الآن، فالموضوع مصيبة كبيرة.
أخيرًا، يا كاتبنا العزيز، القارئ لم يعد يتابع مقالاتك -كما في السابق-، بل أصبح يتساءل أحيانًا عن مدى انسجامها مع أسلوبك المعروف، فكن حريصًا على أن يبقى اسمك عنوانًا للحضور الحقيقي لا مادة للتعليقات العابرة.
وختامًا، فإن هناك فرق بين كتابة المقال وتحرير الخبر، فالخبر يحتاج إلى من يحرره وفق توجه أو سياسة وستايل الصحيفة، أما المقال فهو رأيٌ شخصي، ومشاعر يكتبها صاحبها كما يشعر بها، لا كما يُملى عليه، فمن غير المنطقي أن تستعين بمشاعر خارجية كي تعبر عن داخلك، فالمقالات من هذا النوع تُكتب لتُحسّ، ومن يُحاول التعامل معها، كمواد تحريرية جاهزة فقد أساء الفهم والمقصد.