
بدأت ملامح التغيير تلوح في أفق «سوق الخميس» في القطيف، مع توجه لطيّ صفحة البسطات المفروشة على الأرض، وإنهاء مظاهر البيع تحت الشمس وعلى الأرصفة، فقد أعلنت وزارة البلديات والإسكان خطوة مفصلية بطرح السوق العريق كمشروع استثماري تراثي، مفتوح للمستثمرين المحليين والأجانب، عبر منصة «فرص»، ليُعاد بناؤه في صورة هندسية مستوحاة من تراث المحافظة.
ويشهد السوق الذي ظلّ لعقود عنوانًا للبساطة والعفوية، تحوّلًا متسارعًا نحو مرحلة جديدة من التنظيم والتطوير، ليصبح أحد أبرز المشاريع الحضرية ذات الطابع التراثي في المنطقة الشرقية.
ويبدأ السوق منذ عقود، مع الفجر، حيث يتوافد الباعة من كافة بلدات ومدن القطيف، والدمام، وحتى من مملكة البحرين، ليبسطوا منتجاتهم على الأرض في مشهد شعبي تراثي، فخاريات، سلال، أعشاب، عطور، ملابس، أدوات تقليدية، كل شيء يُعرض ببساطة ويُشترى.
ورغم تغيّر الإجازة الأسبوعية إلى يوم الجمعة والسبت منذ عام 2013، وتحول عمل السوق من الخميس إلى السبت، ظل السوق يُعرف باسمه القديم، محتفظًا بهويته ومكانته كوجهة تستقطب أسبوعيًا الكثير من الزوار من داخل المحافظة وخارجها.
ويتمثل المشروع الجديد المطروح للاستثمار في «إنشاء وتشغيل وصيانة سوق تجاري تراثي»، على مساحة 24,243 مترًا مربعًا، في حي المدارس، وتحديدًا على شارع الملك فيصل بن عبدالعزيز.
وسيُنفذ المشروع وفق بيانات منصة «فرص»، بعقد استثماري يمتد إلى 25 عامًا، ويشمل إنشاء محلات تجارية متوسطة وكبيرة، وأكشاكًا للحرفيين، وصالات متعددة الاستخدامات، ومقاهٍ، ومناطق خضراء وترفيهية، ومسارات مشاة، إلى جانب مسجد ومرافق خدمية متكاملة.
وتُظهر الصور التخطيطية المصاحبة مجمعًا بملامح عمرانية تحاكي التراث القطيفي، أسوار طينية، شبابيك خشبية مزخرفة، بوابات مقوسة، وشرفات حجرية تطل على ساحات داخلية واسعة، تمنح الزائر تجربة تسوّق ذات طابع تراثي.
ويوفّر التخطيط العمراني المتوازن للسوق ممرات مغطاة، أماكن جلوس، وزوايا عرض للحرفيين، في بيئة تسمح بالتجوّل المريح في مختلف المواسم، مع توفير مواقف سيارات على أطراف السوق وربطه بشوارع رئيسية نشطة.
واشترطت الوزارة على المستثمرين، الالتزام الكامل بالطابع العمراني المحلي بما يعكس البيئة القطيفية، وضرورة توفير تجهيزات متكاملة، وأكدت كذلك على منع استخدام الأرصفة والممرات العامة لعرض البضائع، والالتزام ببيئة نظيفة ومنظمة وآمنة، إلى جانب توفير شبكات تصريف فعالة ومواقف للسيارات وممرات مخصصة للمشاة.
ويواصل سوق الخميس الشعبي في القطيف حضوره بروحه العفوية، حيث لا تزال ملامحه النمطية حاضرة: نساء يفترشن الأرض لبيع السلال والأعشاب، رجال يعرضون الفخاريات والأدوات التقليدية، شبّان ينظمون البسطات لبيع منتجاتهم، وأطفال يتنقلون بين الزوايا، وما زالت الأرصفة تُستخدم كبساط، والحصر كمنصات، وتبقى الشمس سقفًا مفتوحًا لهذا النشاط، لكن السوق ظل نابضًا بالحياة، والوجوه مألوفة، والأسعار في متناول الجميع.
ومن المتوقع أن يمر سوق الخميس الشعبي، بحسب قراءة أولية لمضامين المشروع المطروح للاستثمار، بلحظة تحوّل من النمط العفوي المفتوح، الذي ارتبط لعقود بثقافة الافتراش وتقاليد البيع الشعبي، إلى نمط منظم يعتمد على بنية تحتية دائمة ومسارات واضحة ومعايير تشغيل حديثة.
ولا يعني هذا التحول المحتمل بالضرورة القطيعة مع ملامح السوق الراهنة، لكنه يكشف مدى إمكانية استمرار الحرفة الشعبية ضمن نموذج جديد يعيد تشكيل العلاقة بين البائع والمكان، ويربط بين التقاليد والأساليب المعاصرة في إدارة السوق في حال انتقالها لمرحلتها الحديثة.
النصاميم الحديثة للسوق
موقع السوق
السوق كما هو الآن كما تبينها صور مهتمة ومتداولة