20 , يوليو 2025

القطيف اليوم

مسافر نحو السماء (2)

وفي هذه الأثناء توقفت سيارة فارهة لا يعرف من بداخلها بسبب عتمة الزجاج. ونزل منها (عبد العزيز) في وسط اندهاش من الأصدقاء. نظر إليهم وبسرعة طأطأ رأسه وسار نحو باب منزله وكأنه لا يراهم. غادرت السيارة المكان. 

(محمود) ينادي بصوت تملؤه الحيرة: (عبد العزيز) أهذا أنت؟ (عبد العزيز) لا يستجيب للنداء. يواصل المسير نحو البيت. يجري خلفه (زهير) يمسك بيده. ويديره بقوة نحوه. لينظر مباشرة في عينيه. ودهش مما رأى. وبحركة لا إرادية تحرك (زهير) خطوات للوراء من شدة ما رآه. فاتحًا فاه. 

اقترب (جواد ومحمود) وصعقا من التغيرات التي جرت على (عبد العزيز). (زهير) بصوت غاضب: أين كنت؟ لماذا لا ترد على اتصالاتي؟ ومن هذا الذي كنت معه؟ (عبد العزيز) بنبرة حادة وهو يشير بإصبعه إلى (زهير): انتبه لنفسك. من أنت حتى ترفع صوتك في وجهي؟ هل هذا تحقيق؟ زادت دهشة الأصدقاء. لا يكادون يصدقون ما يحدث. (جواد) أنت صديقنا ونحن قلقون عليك. ونتمنى لك الخير. (محمود): وما هذه التغيرات التي حدثت لك؟ فجأة تغيب عنا وعن المدرسة. وتظهر لنا بهذا الشكل. (زهير) يلاحظ الساعة التي يلبسها (عبد العزيز) والجوال الذي بيده آخر إصدار من الجوال. وكأنه تذكر تلك الحادثة التي وقف (عبد العزيز) أمام الساعة في بيته. (زهير) مبروك عليك الساعة والجوال، من أين لك؟ (عبد العزيز): وما دخلك أنت؟ (زهير) هل أنت مريض؟ (عبد العزيز) بعصبية: مريض؟ من قال لك ذلك؟ (زهير) يعلو صوته: ألم تنظر إلى أسفل عينيك ألم تلاحظ الهالة السوداء. ألم تلاحظ أنك نحفت؟ ألم تلاحظ كيف هي حركاتك وأنت تمشي؟ تتأرجح وكأنك فقدت توازنك؟ ألم تلاحظ أنك تكذب كثيرًا لدرجة أنك تختلق أشياء لتأخذ المال؟ وتتهرب من أعز أصدقائك؟ وفوق هذا كله ازداد توترك. أنت في طريق خطر انتبه لنفسك. لا تخسر نفسك. 

(عبد العزيز) لا يعيره أي اهتمام، وينظر لهم نظرات غريبة. ويغادر المكان. تحرك الأصدقاء بصمت وهم يشعرون بالحزن مما وجدوا عليه صديق الطفولة. وفي أعينهم تلك الأحلام التي كانوا يحلمون بها. 

(جواد) يسأل (زهير): هل تشك في أمر (عبد العزيز) بشيء ما؟ (زهير) يمسح دمعة سقطت من عينه. حاول إخفاءها. ولكن كشفه صوته المبحوح: لا أخفيكم، نعم، وأتنمى أن يكون عكس ذلك، ولكن. يصمت قليلًا. (جواد): ما بك صمتّ. ولكن ماذا؟ تحدث. (زهير) للتو تأكدت من أمر مهم وهو خطر جدًا. وهذا ما يقلقني على صديقنا. (محمود) تقلق من ماذا؟ أخبرنا، ازداد قلقي وتوتري. (زهير) في الواقع أنا أشك أن (عبد العزيز) يتعاطى أو.. (جواد) يقاطعه: يتعاطى ماذا يا (زهير)؟ يكمل (زهير) وهو يفرق كلتا يديه ببعضها البعض من التوتر، إنه يتعاطى الحشيش أو المخدرات. وربما يروج لهما. ويمكن أن يكون الأمر حتميًا. ألم تشاهدوا السيارة الفارهة التي نزل منها؟ اندهش الأصدقاء من هذا الكلام، وصمت الجميع لهول المصيبة.

(محمود) وماذا نفعل لصديقنا كي نساعده؟ لا يمكنني تصديق كل ما يجري عليه. أخشى أن نفقده. فكل من سار في هذا الطريق لم يخرج منه. لم يكن هناك أي جواب من (زهير وجواد) فالصدمة أصمتتهم. مضت عشرة أيام. والأصدقاء يجتمعون من غير (عبد العزيز). ولا يخفى أنها لقاءات حزينة وعادة ما يدور الكلام فيها عن مصير صديقهم. ويضعون خططًا للوصول إليه ومساعدته. ولكن من دون جدوى. 

اقترح (جواد) مقابلة والد (عبد العزيز) والتحدث معه. (زهير): ولكن يا صديقي أنت تعرف والده. فهو مزاجي الطبع حتى الكبار لا يسلمون من حدة لسانه. وكثيرًا ما نسمع (عبد العزيز) سابقًا يتحدث عن تصرفاته معهم. فالنظر إليه ووجهه ذي الملامح الحادة يصيبني بالقشعريرة في بدني. (محمود): هذا لا يمنع أن نتحدث معه لكي يمنع ولده من هذا الطريق. لعله لا يعلم عنه شيئًا فكما تعلمون هو مشغول بتجارته. صمت الجميع أمام هذه المحنة العظيمة. وكل واحد منهم ينظر للآخر وكأنهم في مجلس عزاء مخيم عليه الحزن. يقف (جواد) وهو ينظر إلى أصدقائه: أنا سأذهب، فصديقنا بحاجة لنا، إن لم نسارع في الأمر ربما لا نرى (عبد العزيز) للأبد. 

يقف الجميع ويتوجهون إلى المحل في السوق المركزي. ما هي إلا دقائق معدودة وإذا بهم أمام المحل. يقفون خلف الباب الزجاجي للمحل ويرون أبا عبد العزيز يتحدث مع أحد الزبائن. تردد الأصدقاء بالدخول. لحظات وفتح الباب ليخرج الزبون. يلاحظ أبو عبد العزيز وجودهم خلف الباب. لم يعرهم أي اهتمام. وجلس خلف المكتب وهو ينظر إليهم. ويوجه العامل بترتيب الحاجيات في الثلاجة. شعر الأصدقاء بالرهبة وهو يحدق بعينه نحوهم. الأصدقاء ينظرون إلى بعضهم البعض وكأنهم يقولون أندخل؟ أم ماذا؟ (زهير) تراجع ليقف خلف (جواد) يبدو أنه قد أصابه الفزع. فجأة خرج لهم وهو يقول: هل تريدون شيئًا؟ وأين (عبد العزيز)؟ لماذا هو ليس معكم؟ تفاجأ الجميع من كلامه. تقدم (جواد) وهو يقول: نحن يا عم جئنا لك من أجل ولدك (عبد العزيز)، وهو أمر مهم. أبو عبد العزيز بدهشة: أمر مهم؟ هل تشاجرتم معه؟ يكمل (جواد) ليقول: لا، بل الأمر أصعب من ذلك. هل لنا الدخول لنتحدث معك؟ أبو عبد العزيز يفسح المجال ويتقدمهم وهو يقول تفضلوا. جلس الأصدقاء أمام الأب وهو يحدق النظر فيهم، وبادرهم بالقول: هيا تحدثوا ما هي المشكلة؟ نظر (جواد) لأصدقائه وبلع ريقه. وأخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه من فمه. ليستعد بالحديث عنهم. فقال: يا عم هل تعرف أن ولدك تركنا منذ فترة؟ أبو عبد العزيز باندهاش: لماذا؟ وهو دائمًا معكم منذ الطفولة. وأيضًا لم يخبرني بذلك. وكلما خرج نقول له إلى أين؟ يقول (عبد العزيز): مع أصدقائي. لم يخطر في بالي أنه لا يقصدكم. (جواد) يا عم: ألم تلاحظ أنه تغير كثيرًا؟ (أبو عبد العزيز) بنظرة حادة: تغير؟ من أي ناحية؟ ماذا تقصد بذلك؟ شعر جواد أن السؤال ربما استفزه فإن لم يتدارك الموضوع سيطرد هو مع أصدقائه.(جواد): أقصد، أقصد (سكت قليلًا)، وأدار وجهه ناحية أصدقائه وهو يفرك بكلتا يديه. وكأنه يقول لهم فليتكلم أحدكم. أنا مرتبك أيضًا. أسرع (محمود) بالكلام وهو يقول: يا عم، إن (عبد العزيز) يجلس مع رفاق آخرين وهم معروفون بالسوء. وهم من الشباب الذين يتاجرون في الحرام. أبو عبد العزيز: يقف ووجهه أصبح أحمر من شدة الغضب، وعيناه شاخصتان. حيث ضرب بكلتا يديه على الطاولة لتتناثر بعض الأغراض منها على الأرض. مما سبب خوف الأصدقاء. وهو يقول: كيف تجرؤ على مثل هذا الكلام يا هذا؟ أتتهم ولدي بشيء؟ أجئتم لتقولوا لي بأن ابني غير صالح؟ هيا انصرفوا من هنا، هيا. وبلمح البصر خرج الأصدقاء من المحل. وهم مذعورون من شدة غضب أبا عبد العزيز. 

وبعد أن ابتعدوا مسرعين بعيدًا عن المحل وهم يلهثون. ويتصببون عرقًا. وقفوا لالتقاط أنفاسهم، وهم ينظرون خلفهم. (زهير) يجثو على ركبتيه ويقول: ألم أقل لكم بأنه شديد الغضب؟ (جواد) يضع يده على صدره. حيث تسارعت أنفاسه. لم أكن أتصوره بهذه الشدة. (محمود) وهو يمسح جبينه من العرق: أكاد أجزم أنه وحش على هيئة رجل، ثم إنه لم يتأكد من صحة كلامنا. وكأنه على يقين من أننا مخطئون في حق ابنه. 

تفرق الأصدقاء بعد أن ذهب (جواد) للورشة. يستقبل أبو جواد ابنه: (يا جواد). (جواد): نعم يا أبي. الأب: اجلس قليلًا، أرغب التحدث معك في أمر مهم. (جواد) ينتابه قلق واندهاش: خيرًا إن شاء الله يا أبتي. الأب: أريدك أنت مع بقية أصدقائك الابتعاد عن (عبد العزيز)، فقد انتشرت أخباره في القرية وأصبح حديث المجالس؛ لأنه اتجه لطريق الحرام، ويجتمع مع بعض الشباب المنحرفين في إحدى المزارع المهجورة بأطراف القرية، وأخشى عليكم منه، فهذا الطريق نهايته حتمية إما الموت أو السجن. (جواد) يستمع وهو يحرك رأسه بالإيجاب. ويقول: نعم، نعلم بذلك ونحن قلقون عليه أيضًا ولم نلتق معه منذ زمن. يصمت (جواد) ويظهر الحزن على وجهه، يضع الأب يده على كتف (جواد) ويقول: اطلب من الله له الهداية. ينظر (جواد) بعينيه نحو السماء ويتمتم ويقول: يا رب.

في إحدى الليالي بينما كان (جواد) في بيته مع عائلته على مائدة العشاء يتبادلون أطراف الأحاديث وإذا بجرس الباب يدق. أدارت الأم نظراتها نحو جواد وفاطمة وهي تقول: انظر يا جواد من خلف الباب. توجه (جواد) نحو الباب وهو يقول من خلف الباب؟ لم يسمع جوابًا. أعاد النداء. لم يسمع جوابًا. اقترب وفتح الباب. وكانت الصدمة: من؟ عبد العزيز؟ صمتا قليلًا. عبد العزيز بادر جواد بالكلام: مرحبًا يا صديقي. انبهر جواد من هذا الترحيب وكأن شيئًا لم يكن، وبردة فعل من (جواد) يبادره بالسؤال دون أن يرد عليه بالتحية. ماذا تريد؟ هل ستطلب مني المال كما فعلت مع (زهير) وتختلق أكذوبة أخرى عن مرض أمك؟ ألا تعرف إلى أين أنت تتجه؟ عبد العزيز ينظر إلى جواد وعيناه لمعت بشيء من الدموع. ويقول: أنا أسف لكل ما حصل مني. وأرجوا أن تسامحني أنت وبقية الأصدقاء فلم أرغب في التخلي عنكم. ولكن غرر بي رفقاء السوء ووعدوني بكل شيء أرغب فيه. في مقابل العمل معهم. 
لم يصدق (جواد) هذا الموقف من (عبد العزيز) وجعله في حيرة من أمره. يكمل (عبد العزيز): وأنا الآن في مأزق فلا يمكنني التخلص منهم. وأنا صادق فيما أقول. أرغب التخلص منهم والرجوع إليكم. (جواد) ينظر إليه وأثر كلامه عليه. ويقول: إذًا ما الذي يمنعك من تركهم بما أنك عرفت حقيقتهم؟ يطأطئ (عبد العزيز) رأسه، ويتنهد، وبصوت خافت: لهذا جئت إليك يا صديقي لتساعدني. جواد: وكيف أساعدك؟ عبد العزيز: أعلم أن طلبي هذا صعب. ولكن أعدك إن ساعدتني ستجدني كما تعرفني. وغدًا أنا معكم. جواد: وما هذا الطلب؟ وأتمنى أن تكون صادقًا. عبد العزيز: أقسم لك أني صادق. وأن الندم يكاد يقتلني. جواد: وكيف أساعدك؟ 
عبد العزيز: إنهم.. (يصمت، ويضع يده على فاه ويرفع رأسه للأعلى، وكأنه خجل). جواد: تكلم! أقلقتني. عبد العزيز: إنهم يطلبون مني مبلغًا من المال لكي أتركهم. وإلا.. (ويسكت). جواد: وإلا ماذا؟ عبد العزيز: سوف يلحقون بي الأذى وبعائلتي فهم يهددوني إن لم أجلب لهم المال. جواد: وهل أنت جاد في هذا الكلام؟ أم هذه كذبة للحصول على المال؟ عبد العزيز: وبصوت مرتبك. أقسم لك أني صادق، أريد العودة لحياتي السابقة، أرجوك. أتوسل إليك. أنا بحاجة إليك، لا تتركني في محنتي. رق قلب جواد لحالة صديقه عبد العزيز، ووجد في بريق عينيه الندم. جواد: أتمنى أن يكون كلامك صادقًا، ويسعدني أن أسمع منك هذا الكلام. ونحن مشتاقون إليك. فكم أحزننا ما حل بك فأمامك الطريق مفتوح للعودة وعوض كل ما فات. عبد العزيز: ارتسمت على محياه الفرحة من ردة فعل (جواد) وهو يجد أنه استجاب له. وهو يقول: أكرر أسفي وندمي. وغدًا ستجدني معك وبرفقة الأصدقاء. جواد: انتظر قليلًا. دخل جواد للمنزل واستقبلته أمه وهي تقول: من هناك؟ أهذا صوت عبد العزيز صديقكم الذي تخلى عنكم وذهب لرفقاء السوء؟ ماذا يريد منك؟ انتبه منه. جواد: لا تقلقي يا أمي. وإن عبد العزيز جاء لكي أساعده في التخلص من هؤلاء المجرمين. الأم: وكيف ستساعده؟ أرجو ألا يكون بينك وبينهم أي شجار؟ فهم لا يرحمون أحدًا. جواد: يضحك، ويقول: أي شجار يا أمي؟ لا تقلقي لن يكون هناك أي من هذا. إنه فقط يريد مبلغًا من المال ليرده لهم وسيتركونه يعود لنا. الأم: هل هذا صحيح؟ يتركهم ويعود لكم، إنه خبر مفرح يا ولدي، وكم يريدون منه؟ جواد: (1000) ريال. الأم: وهل ستعطيه المال؟ جواد: يجب أن أقف إلى جانبه وهو أقسم أنه صادق. الأم: أتمنى ذلك يا ولدي. دخل جواد غرفته وفتح دولابه وأخرج صندوقًا صغيرًا كان يضع فيه المال الذي يحصل عليه من أبوه. وأخرج (1000) ريال وتوجه إلى عبد العزيز. 

خرج جواد ليجد عبد العزيز جالسًا على عتبة الباب وهو يمسك بجواله يكلم أحدهم، وما إن رأى "جواد"، حتى أنهى المكالمة ووقف. مد جواد يده ليعطيه المال. فأخذه عبد العزيز وبسرعة وضعه في جيبه وهو يقول انتظروني غدًا، أخبر بقية الأصدقاء، وبسرعة غادر المكان. وجواد واقف ينظر إلى عبد العزيز وفي قرارة نفسه يقول أتمنى ذلك. 

أخرج جواد جواله ليتصل بأصدقائه: 
ألو زهير عندي لك مفاجأة غدًا سوف تعرفها بعد صلاة المغرب عند المكان الذي كنا نتجمع فيه، حسنًا، سوف أتصل بمحمود، مع السلامة. وهكذا اتصل على محمود وأخبره بالأمر. 

للقصة بقية.


error: المحتوي محمي