26 , يونيو 2025

القطيف اليوم

البدايات دائمًا ما تكون ذات وهج.. وماذا عن النهايات؟!

استيقظت صباح اليوم الهادئ الجميل قبل صلاة الفجر كعادتي، ومرت ببالي لقطة بذات اللحظة، والتي قادتني حينها قدماي للفصل الدراسي الذي أصبح من النادر أن أدخله بعد انتهاء تلك الدورات، وحينها قررت أن أكتب بعضًا من مشاعري وذكرياتي ٥ثناء دوراتي الإنسانية التي كنت حينها أمارس دورًا طبيعيًا لم يطلبه مني أحد، حيث هناك ما يخالج فكري كثيرًا. الكل يسبح في فضائه والكل يروي حكاياته، وهناك في حقائبي الفكرية دائمًا جولاتي لأصحاب العقول الشابة الواعدة لطالبات اللغة الإنجليزية، ولعلي أشبه بالزرع الأخضر وأنتظر أن يؤكل زرعي أقراطًا من الحب والطهر.                                                                                                

سأدخل مباشرة بالنص مع أحداثه وطقوسه الحقيقية إلى أقصى مدى تستطيع أن تحمله الذاكرة من صدق، فذاكرتي تزخر بالكثير الكثير من الذكريات، ولن أبالغ إذا قلت بأني مررت بمئات التجارب التي عشتها من خلال الدورات، وتعلمت الكثير من خلال وجودي بين الطالبات، فأنا ممن يهتمون بإقامة صداقة طيبة عامة مع الجميع تمتد طويلًا ويتخللها الحدود والاحترام، أحاول ألا أطيل الوصف وقد لا توجد حكمة أو فائدة بمقالي هذا ولكن! رصد المواقف التي فيها حس إنساني قد يستهوي البعض.

في هذا الصباح المشرق عدت بالفكر والذاكرة عشرين سنة للوراء متسائلة: هل أستطيع أن أستعيد السنين الراحلة؟ أقول للزمن توقف عشت فترة لا أريد أن يرجع لي عمري لأعيشه من جديد، أحب الحياة مشرقة، لم ولن أشعر بالوحدة والقطيف تعج بالحياة ولن أحزن وأهل القطيف يتألقون بسعادة، تتراءى لي الأجيال راكضة مسرعة متلاحقة، حيث تبدو لي الحياة سريعة الإيقاع. أشعر أن عبوري ومروري كان ومضة سريعة لاحت في سماء القطيف. حيث أدركت المعنى متسائلة: أي عطاء في الحياة يعادل حب وعطاء الآخرين في المجتمع وللمجتمع، سكنتُ مع حكايتي وأنا أسترجع مواقف معينة تلامس إحساسي، وبدأت عيناي بالاحمرار وكأني أترقب ولادة دمعة حنين، حيث اعتدت العيش فوق المفاجآت.

كنت أحلم أن أجمع كل بياض الدورة فأسرد منه الجميل وأسقط منه كل ما هو داكن في سلة النسيان، هناك الكثير من المحطات تستوقفني وتعيد لي الذكرى، حيث تأسرني مشاعرهن  الجميلة وتعيد لي الذكريات بأصوات الطالبات وضحكاتهن، ما زلت أتذكر إحدى الطالبات بصوتها الرخيم وهي تستفتح الدرس بتلاوة قرآنية عذبة وأخرى بدعاء الصباح، ونحن جميعًا نحلق معًا في أجواء روحانية بعيدًا كل البعد عن القال والقيل وهذا من شروط الالتحاق معنا بالدورة، لا للغيبة لا للنميمة نعم للاحترام والود.

يحضرني بعد تقاعدي أنني قد قررت إطلاق العنان لنفسي وإشباع رغبة في روحي لتحقيق أحد أحلامي، فالتورط العفو أقصد الالتزام بالتدريس مجموعة مختلفة الأعمار والثقافات والبيئات والتوجهات من الطالبات في منزلي المتواضع كان أمرًا لا يخلو من المخاطرة والمفاجآت، وكنت غالبًا ما أشاكس طالباتي وأسألهن من منكن سوف تنساني في آخر المطاف؟! رغم أني متفائلة ومع هذا مدركة تمامًا أن بعضهن على الأقل سوف تذكرني ذات يوم وما أكثرهن، ولا أخقي هناك من ينكرني!  فوجدت البعض يشاكسني بعفوية وقد استهوتهن الفكرة، ومع ذلك أعتقد أنني إذا ما سلكت دربًا معاكسًا لأفكاري ومبادئي فلن أنجح في تلك الدورات الإنسانية، البعض يسألني ماذا أضافت الدورات لي! أود أن تسألوني ماذا أخذت منها ولا تسألوني ما أعطيت حيث السؤال ينطوي على الجواب، إنها دورة رائعة رغم الجهد والتعب ولكن ثمارها أجمل ما يكون، وهو لقاء الأحبة وتجربة مثمرة مجزية دون أن يداخلني الشك يومًا. 

سؤال أردده كثيرًا كيف أكسب ود وثقة  طالباتي؟ لابد أن أكون مؤهلة تأهيلًا تربويًا وعلميًا ونفسيًا، وأهم هذه المؤهلات: القدوة الحسنة فعلي أن أتحلى بالحلم والصبر والحكمة والرحمة والتواضع، وعلى دراية بأحوال وأوضاع الطالبات كما أن التمسك بالمظهر الحسن والقدرة العلمية في إيصال المعلومة من المؤهلات الضرورية التي تساهم بشكل ملحوظ في جذب الطالبات واحترامهن وحبهن للمعلمة، فالعطاء الذي يفيض بلا حدود هو الرمز الذي يجسد الخلود.

صدقًا إن التعليم والعلم الإنساني أهم نواحي الحياة، هنا طالباتي وأنا نتعلم ونعلم بلا تردد ونتجول معًا بعالم العلم والمعرفة، لن أحدثكم عن تفاصيل الدورة أكثر رغم أني أود ذلك ولكن الوقت أصبح شاحبًا واختبأت الكلمات في فمي، وهناك كلمات نائمة تحت السطور مخفية والذي أعنيه الكلمات التي لم يتم البوح بها، وجدت الكثير من التساؤلات لبعض مستجدات الدورة الإنجليزية، وكان القلق يسيطر على مخيلة بعض الطالبات، لكن علينا أن ندرك أننا خلال الدورة المكثفة قد تعلمنا العشرات من المفردات اللغوية الإنسانية الجديدة ولكن كنا بحاجة  للسرعة وعامل الاختصار بالثقة والصبر مع تحديد مواطن الصعوبة لدى طالبات اللغة، وكنا قد اختصرنا الدرب للوصول للهدف المطلوب. ليس بدورة واحدة بل بعدة دورات.

في هذا الركن الهادئ من مشروعي الإنساني الصغير، الذي احتضن عطائي وأفكاري وأحلام طالباتي، حاولت احتواء كل تفاصيل هذا الركن بقلبي، فهذا الركن بهدوئه وبإصغاء الجميع، فمن هنا عرفت سيدات وآنسات مجتمعي لأول مرة عن قرب لأقضي معهن أوقات الصباح والمساء في هذا الركن الصغير المتواضع الذي يشد الجميع بالحنين إليه دائمًا، أدركت اليوم بعد محاولة اللقاء القادم مع الطالبات أن لا شيء أجمل وأقرب إلى روحي وأرسخ في ذاكرتي، من هذا الركن الذي يشهد قلبي ومثله طالباتي، وهنا لا أستطيع أن أكتب كلمة وداعًا وإنما سوف أكتب إلى اللقاء، وكانت الأيام على مدى السنوات كلها، من أجمل أيام حياتي وتبقى الذكرى الطيبة هامسة بصدق يا طالباتي الفاضلات: أنتن نبراس أعتز به إن كنت قد أخطأت في حق إحداكن يومًا فألتمس الصفح والعفو منكن مع تحية تقدير للعزيزات اللاتي حضرن دوراتي الإنسانية واحترمن أفكاري.


error: المحتوي محمي