إلحاقًا بـ تاروت أقدم أم أريحا أشكرك أخي عادل البشراوي لموافقتي في رأي ضبط الحقائق والمصطلحات والأرقام، نعم وأنا كذلك أوافقك الرأي في أن نراعي التاريخ الأنثروبولوجي والجيني والأركيولوجي الموثوق.
من هذا المنطلق يمكنني توضيح أمر ذكرته أخي عادل وهو أن الهوية الثقافية لشبه الجزيرة العربية تعود أثريًا إلى ثقافة العبيد عند 10000 سنة كبداية وانتهائها بـ5700 سنة ماضية وتحديدًا في العصر الحجري الأخير.
تعليقًا على ما ذكرتموه (هنا) أنه لم يثبت لنا كباحثين آثار أن ما نسميها حضارة العبيد تعود إلى قبل 10000 سنة (10000-2023 = 7977 قبل الميلاد).
هذا الرقم تقريبًا يصلنا بالعصر الحجري الحديث (pre-pottery neolithic ) ما قبل الفخار وهو بداية استقرار الإنسان في المناطق واهتمامه بالزراعة وتربية الحيوانات وإنتاجه طعامه وإنشاء القرى الزراعية بعكس العصور السابقة الذي اعتمد فيها على الجمع والالتقاط وصيد الحيوانات، بعدها العصر الحجري الحديث (neolithic revolution) الذي تميز عن سابقه بصناعة الفخار البدائي (الفخار الخشن وغير المنتظم).
وفي رأيي الشخصي أن تلك التواريخ والأرقام تختلف في البداية والنهاية من منطقة إلى أخرى ومن قارة إلى أخرى كما لو قربت لك فكرة التطور والتكنولوجيا في عصرنا يكون موجودًا في دول ودول أخرى يصلها بعد سنوات.
أخي عادل قبل البدء بما هو مثبت لدينا وبالأدلة المادية عن ثقافة العبيد أو حضارة العبيد دعني أبين للقارئ ماهية ثقافة العبيد:
هي حضارة نشأت شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق وأطلق عليها ثقافة العبيد أو حضارة العبيد نسبة إلى أول موقع (تل العبيد بجنوب العراق وتحديدًا بمحافظة ذي قار جنوب الوركاء) اكتشفت فيه الآثار المنقولة التي تتميز بنمط معين في الصناعات اليدوية منتشرة في عدة مواقع أثرية كالأواني الفخارية ذات اللون الأصفر المائل إلى الاخضرار والمخطط باللون الأسود والأدوات الحجرية كروؤس السهام والرماح والفؤوس والمكاشط وغيرها ومن هذه المواقع فريق الأطرش بجزيرة تاروت والدوسرية بالجبيل وعين السيح بالقرب من الظهران وبقيق وعين قناص بالأحساء وجزيرة فيلكا بالكويت والبحرين، وجميعها يعود تاريخها إلى ما بين 4500 و5350 قبل الميلاد غير أن هناك موقعًا جديدًا ظهر لدينا من خلال أعمالنا مع البعثة الألمانية والذي كان مشروعًا بعنوان بداية استقرار العبيديين ألا وهو التل الأثري الذي تستقر عليه قلعة تاروت الحالية، حيث تم أخذ بعض العينات من الطبقات العليا وتحليلها بطريق إشعاع كربون 14 في أحد المراكز الأثرية في فرنسا والتي أرجعت تاريخ تلك العينات إلى 5750 قبل الميلاد أي أن تل تاروت أقدم من باقي المواقع التي تنسب إلى العبيد بما بين 200 – 300 سنة، نجهل هويتهم اللغوية كما تفضل شخصكم الكريم من خلال تعليقكم على مقالنا السابق.
إذًا من خلال المخلفات الأثرية المنتشرة في عدة مواقع شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق نستطيع القول: إن العبيديين ما هم إلا قبائل وشعوب أو ربما جماعات صغيرة لها طابعها المميز والفريد في زخرفة الفخاريات باللون الأسود أو البني الغامق، لهم عاداتهم وطقوسهم الدينية الاجتماعية والصناعية لاستخدامهم الأحجار وقطع الأشجار في بناء أكواخهم وتغطيتها بمادة القار (البترول)، ولكن هل هذه القبائل والشعوب ولدت جميعها خلال الفترة ما بين 4500 إلى 5750 قبل الميلاد قطعًا (لا) حيث إنه من المعروف لدى علماء الاجتماع أن القبيلة كانت مجموعة من أفراد أسر وتكاثرت هذه الأفراد حتى تفرعت مكونة قبيلة ومنها إلى عدة قبائل وشعوب.
فمنهم هذه القبائل التي استوطنت واستقرت في المنطقة؟ لم تتوصل التنقيبات الأثرية والأبحاث وعلم الأنثروبولوجيا إلى معرفة تلك القبائل بسبب قلة الدراسة من هذا النوع (الجينات) في المنطقة.
أما عن بقائها حتى تاريخ 4500 قبل الميلاد في شرق الجزيرة العربية، في رأيي الشخصي أن العبيديين انتهوا وبيدوا من الوجود مع الطوفان الكبير الذي حصل خلال 5000 سنة قبل الميلاد والدليل أن جميع الحضارات التي ظهرت بعد هذا التاريخ لم تأخذ أي تأثيرات ثقافية من العبيديين فجميع صناعاتهم الفخارية تختلف اختلافًا كليًا عن الفخار العبيدي. بعد الطوفان بدأت الحياة تعود من جديد من خلال سلسلة أبناء نبي الله نوح -عليه السلام- وقلة من المؤمنين الذين ركبوا معه السفينة.
وأخيرًا بشأن هجرة الكنعانيين من شرق الجزيرة العربية فهذا ليس برأيي وإنما رأي أغلب علماء التاريخ القديم حيث اتفقوا على أصل القبائل الكنعانية – السامية مهاجرة من شبه الجزيرة العربية، نعم كانت متأخرة نسبيًا (2300 – 2800 قبل الميلاد) وعلى شكل جماعات متفرقة، حيث ليس من المعقول ترك وهجرة أرض الخلود وجنة الحياة التي تميزت بوفرة الينابيع وزهور الحياة الأبدية كما وصفها جلجامش والهجرة إلى أراضٍ مجهولة إلا أن يكون هناك أسباب قاهرة تستدعي الهروب من المنطقة كالحروب والصراعات القبلية والكوارث الطبيعية.
شكرًا لك أستاذ عادل البشراوي والمهندس صادق القطري وأيضًا الشكر موصول إلى «القطيف اليوم» والمشرف عليها الأستاذ ماجد الشبركة على كل الإثراء الجميل والمعلومات القيمة، مع تمنياتي أن يشاركنا الإخوة المهتمون في التاريخ والبحث العلمي لعلنا نرسو على جزيرة تغطيها حقائق وعلوم واقعية لا من خيال نفخر بها ونعتز بوطن تعانق حضاراته وثقافاته التاريخية والأثرية والعلمية عنان السماء.