ابني علمني كيف أكون مدبرًا للمنزل؟

لعل هناك بعض الآباء والأزواج والأبناء، يوكلون أعمالهم المنزلية إلى الأمهات أو الزوجات أو الأبناء، أو لغيرهم من المعنيين بالأعمال المنزلية كالخدم، ولعل هذا النوع من الاعتماد الكلي في مثل هذه الأمور المنزلية ناتج عن ثقافة معينة أو سلوك تربوي معين، جزء منها ثقافة اتكالية وهي بلا شك ثقافة سيئة، وغير محببة دينيًا واجتماعيًا، فضلًا عن أنها تبني شخصية نرجسية ومستبدة، أما الجزء الآخر، فهي ثقافة نابعة من الجانب الديني، وفيها ترغيب بالأجر والثواب.

ومن هذا الباب، تجد بعض الزوجات أو بعض الأمهات من ربات البيوت يتلذذن في خدمة أزواجهن وأولادهن طمعًا في الأجر والثواب، وتقربًا لقلوب أزواجهن، واستقرارًا لحياتهن الأسرية، ولخلق أجواء أسرية دافئة، ومن هذا المنطلق الإنساني، حث الدين الإسلامي على ذلك ورغب فيه، وهذا في واقع الأمر يضفي حالة من الود والحب والسكينة بين الزوجين، مما يعزز حالة من الاستقرار والطمأنينة الأسرية.

وقد ورد فيض من الأحاديث الشريفة حول هذا الجانب، علمًا بأن العمل المنزلي المتعارف عليه غير واجب شرعًا على الزوجة، ولم يلزمها الشارع المقدس بذلك، ولكنه في نفس الوقت قد اعتبر عمل المرأة في البيت من الأعمال التي تستحق عليها الأجر والثواب العظيم، حتى في حالة الإرضاع، فهي غير ملزمة بذلك شرعًا، ولو طلبت أجرة على ذلك لزم على الزوج دفع ذلك لها.

وما جاءنا من السنة النبوية الشريفة، حول حق المرأة التي تتحمل أعباء الأعمال المنزلية لهو كثير ومستفيض، حيث ورد عن رسول الله (ص) قوله: “ما مِن امرأة رفعت من بيت زوجها شيئًا من موضع إلى موضع تريد به صلاحًا إلا نظر الله إليها، ومَن نظر الله إليه لم يعذبه” وعنه (ص) قال: “مهنة إحداكن في بيتها تُدرك عمل المجاهدين في سبيل الله” وكذلك قوله الشريف (ص): “إن جهاد الزوجة هو حسن التبعّل، ومن حسن التبعّل خدمة الزوج، ورعاية الأبناء، والصبر على ذلك”، وعن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: “ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خيرًا لها من عبادة سنة”.

ومن جانب آخر، على الأزواج أمام ما تقدمه زوجاتهم لهم، تقدير تلك الجهود الإنسانية والجبارة والعظيمة، أن يكونوا رفقاء ورحماء بهن، فدورهن هذا لا يقل قدرًا عن دورهم، إن لم يكن أعظم منه، وإن تغافل بعض من هؤلاء الأزواج عن هذا الدور المميز، سواء كان عمدًا أو قصورًا، إلا أنها هي الحقيقة التي لا ينبغي نكرانها، بل ينبغي الإقرار والإذعان والإيمان والتصديق بها، والعمل على ضوئها، لأجل تحقيق نوع من المودة والمحبة بين الزوجين، ويكون حاجزًا منيعًا لتولد العديد من المشاكل الأسرية، وتمييع كل العراقيل الحياتية.
ولدخولي في صميم الموضوع، كان لابد لي من هذه المقدمة، لتتكشف لنا جوانب مهمة من بعض صور المعاناة، التي تتحملها غالب الزوجات في حياتهن الزوجية، حيث ينبغي لبعض الأزواج، أن يدركوا معنى هذه الأعباء المنزلية الشاقة.

في الآونة الأخيرة، تعرضت زوجتي لوعكة صحية، اضطرتها لإجراء عملية جراحية، مما أمكثها على السرير الأبيض، وغياب الركن المتربع في قلب المنزل – وهي الزوجة – يعني تغيرًا جذريًا في روح العائلة والبيت، بل يحدث خللًا في الكيان الأسري كله، وخاصة على من يجهل غالب شؤون التدابير المنزلية.
وفي ظل هذه الأزمة الأسرية، فاجأني ابني البالغ من العمر أحد عشر عامًا، كما فاجأ أفراد العائلة، حين كشف لنا، مدى معرفته وقدرته على تحمل بعض هذه الأعباء المنزلية، وبالفعل أخذ بزمام مهام والدته فترة غيابها عن المنزل بكل جدارة، وتحمل أعباء المنزل دون كلل أو ملل وبدقة فائقة، حيث أشعر الأسرة بتغطية الجوانب التي كانت زوجتي تقوم بها، وغالبنا في حاجة ماسة إليها، من طبخ وغسيل وتنظيف وغيره، وكذلك منحني أنا والده عناية خاصة، مما شكل لي إحراجًا معنويًا، جعلني (أطأطئ) رأسي احترامًا وإجلالًا وتقديرًا له.
فكان ابني الصغير، بالفعل بطل المرحلة بكل جدارة، وهذا لا يفهم أن بقية إخوانه كانوا يشاهدونه وهم مكتوفو الأيدي دون أي عمل، بل كان كل واحد منهم له دور ودور مميز، وقد يكون أكثر من دور، ولكنهم يكبرونه سنًا، وكذلك لم يكونوا بدرجة تكامله في تغطية غالب الجوانب المنزلية، إضافة إلى مواجهته منصته المدرسية، وهو يحرص على تميزه الدراسي، وكل أفراد العائلة يقرون له بذلك التميز الرائع في الجانبين.

وبعد غياب زوجتي عن البيت، وشعوري بناقوس الخطر المنزلي، فرضت على نفسي أن أتعلم كيف أكون مدبرًا منزليًا، بمعنى تحمل الأعباء المنزلية كاملة، وأن أخوض التجربة بنفسي، ويكون ابني هو ملهمي ومعلمي الأول لهذه المرحلة، وهذا ما حدث بالفعل، كنت أنا التلميذ وهو المعلم، وأظن أني كنت خير تلميذ له، كما أنه كان لي خير معلم.

ومن كل أعماق قلبي أتوجه بالشكر الجزيل لأبنائي الأعزاء، ولكل أفراد العائلة الكريمة فردًا فردًا، وشكر خاص لابني البطل الصغير، ومعلمي الكبير والرائع “عون”، وكما يذكر في علم الإدارة، “القيادة هي المبادرة”، وقيل في الأمثال التراثية الثقافية، عند حالة شحذ الهمم، وبيان التميز والتفاعل في المجموعة؛ “سيد القوم خادمهم”.



error: المحتوي محمي