خفَّت درجة حرارة الصيف فعادت شجيرات الورد والأشجار في الجُنَينة التي اعتقدت أنَّ حياتها انتهت وتيبست أغصانها مرةً أخرى للحياة واخضرت؛ يبدو أنها كانت فقط تحتاج الفرصةَ والبيئةَ المناسبة وتبدع لا غير.
ذكرتني هذه الشجيرات الضعيفة بذلك الموظف الذي قرر رئيسه في العمل أنه لابدّ أن يُطرد، سيئ الأداء، ولكن حين توفرت الظروف وأعطي فرصة، بانَ أنه من أفضلِ الموظفين. وبذلك الطالب الفاشل الذي كان يجب أن يطرد من المدرسة منذ زمنٍ طويل، لكنه عندما انتقل إلى صفٍّ آخر ومعلم آخر أصبح الطالب الأول في المدرسة والمنطقة. فمن منا في الحياة لم يمر بتلك اللحظة التي تمنى فيها أن لو يعطي فرصة أخرى؟ ثم جاءت يدٌ من وراء الغيب وأعطته إياها.
في الواقع، لا تحصى الحالات التي يمكن في الحياة إصلاحها في فرصةٍ أخرى، فالأخطر من الشجيرات والطالب والعامل تلك العلاقات العاطفية التي خَفَتَ النبضُ منها وظنَّ أهلها أنها لا تستحق الحياة، ثم مع الفرصة الثانية جرى الماءُ في عروقها واخضرت! ذلك الزواج الذي شارف على الانتهاء والدخول في إحصائيات الطلاق ومكوث البنت عزباء في منزلِ أهلها، لعل وعسى من يطرق الباب مرةً أخرى في مجتمعٍ الرجل هو من يبحث وهو من يطرق الباب، أصبح الزوجان الآن جدين وعشرات من الأحفاد، كل ذلك بسبب الفرصة الثانية.
أعتقد أن في إِحياء الموات من الفرص يكمن الحب الذي يغسل القلوبَ ويمسح الرواسب القديمة مهيئاً التربة لنباتٍ جديد. فأغلب الظن لولا الرعايةَ والعناية والحب والفرصة الثانية لكنا كلنا فاشلين. ولكان توماس أديسون بائعاً جوَّالا يبيع الصحف في القطارات والخضراوات بدلاً من الرجل العبقري ومخترع المصباح الكهربائي!
لا شك أن في كلِّ فرصة غير متوقعة يداً من الغيب يمدها اللهُ من السماءِ فهو الذي يهيئ لعباده الأسباب، ويدبّر لهم الأمور. ويبقى على العباد التوكل عليه والبحث عن تلك الأيادي ومدها لبعضهم البعض في كل سوح الحياة، ثم شكر من قدمها لهم. فقد أوصى علي بن الحسين (عليه السلام) بعض ولده فقال: يا بني اشكر من أنعمَ عليك، وأَنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليها الشكر، وتلا:{لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.