لم يكن الاجتماع مجرد احتفاء وتكريم كما يحدث للكثير من المنجزين الذين حظوا بالتكريم وأمطروا بشهادات الشكر، فإن احتفاء “التوبي” كان صحيفة وفاء وعنوان إخلاص لشخصية من العنصر النسائي التي أمضت عمرها في الخدمة الحسينية حتى برزت واستطاعت أن تحفر اسمها في تاريخ بلدة التوبي، بعد أن وثقتها الأرجوزة الكبرى التي كتبها الشاعر إبراهيم السعدون لقرية التوبي، وذلك بذكر مسيرتها في مزاولة وتعليم القراءة الحسينية.
فالحاجة “الملاية” زهراء بنت علي بن صالح آل خلف المكنية بأم سعيد الموسى والمنحدرة من مدينة القطيف وتحديدًا حي الشويكة، أمضت قرابة الستين عامًا في مزاولة الخطابة الحسينية وتعليمها، وكانت لبلدة التوبي وقفة تقدير لها حيث خُصصت ليلة الجمعة الماضية 21 ربيع الأول 1440هـ للاحتفال بدورها وتكريمها بحضور جمهور من معجبيها، وقد نظم الحفل مضيف أبا الفضل العباس بالتوبي.
البداية
تزوجت الحاجة آل خلف وهي ابنة إحدى عشرة سنة وسكنت بلدة التوبي مع زوجها إلا أنها قررت أن تكون ناعية حسينية، وتنقلت بين الدّبابية والجراري لتلقي الخطابة الحسينية بتشجيع من أمها وزوجها المرحوم الحاج علي بن صالح الموسى، وكان بداية تعليمها على يد إحدى قريباتها وهي القارئة خديجة بنت سند ثم على يد الخطيبة سكينة المشيرب.
وكان أول مجلس حسيني لها في منزل أمها الحاجة فاطمة علي الشيخ، تلاه مجلس في حسينية الإمام المنتظر (ع)، أما أول عادة لها فكانت في منزل حبيب الموسى كما أقامت عشرة حسينية في منزل عائلة آل يحيى لأكثر من أربعين سنة.
“أم سعيد” لم تكتف بتعلم الخطابة وامتهانها فبعد أن اجتازت مرحلة التعليم، حملت على عاتقها تعليم تلاوة القرآن الكريم في منزلها ليكون بمثابة “المعلّم”، كما خرّجت العشرات من تحت يدها ممن طمحن بحمل اسم ناعية الحسين، ومن أبرز اللاتي تتلمذن على يديها هن بدرية الحلوة (أم نسيم) وسلوى الحلوة (أم سمير)، وشمس الموسى (أم بليغ)، وزهراء البحراني (أم صالح)، والسيدة المرحومة بتول الجراش (أم علوي)، والسيدة معصومة الجراش (أم زكريا) وكذلك المرحومة علوية عمران آل حمزة وغيرهن الكثير.
شاعرة نبطية
تؤكد الحاجة آل خلف أن الرثاء هو الأقرب إلى قلبها، وأنها أوقفت كلماتها الشعرية الشعبية في مدح ورثاء محمد وآل محمد، وداومت على قرائتهن في المآتم، وأن أمنيتها التي لم تتحقق بعد هي بناء حسينية للإمام الحسين (عليه السلام).
كلمتها الأخيرة
تقول “أم سعيد” بأن كلمتها الوحيدة ونصيحتها الأخيرة للمجتمع الموالي هي أن يتصف الجميع بالتواضع، ويحذر من الغفلة، ويكون دائما لذكر الموت.
نص الأرجوزة المذكورة فيه والذي جاء اسمها بعد ذكر الملاية نجيبة والخادمة أم زكي الموسى
خدمةُ مصباحِ الهُدى سعـادةْ
أنفاسُ مهمومٍ بها عبادةْ
(نجيبةٌ) من دوحةِ الأقـداسِ
نقـيّةٌ طيّـبـةُ الأنـفـاسِ
تديرُ مجلسًا لـها بالـبـــالِ
خادمةٌ لجـــدِّها والآلِ
(أمُّ سعيدٍ) مثـلُها بالقَـــدْرِ
تزهرُ في تعليـمِها كالبَــدرِ
وكم على يديها قد تخرّجـتْ
وشيّدتْ من بعدِها وعرّجـتْ
من أبرزِ النساءِ في التصدّي
(أمُّ زكيٍّ) لبوةُ التحــدّي
جنائزُ النساءِ في التجهيزِ
قامتْ بها في الحالِ بالتعزيـزِ
في بيتِها الحسينُ نورٌ ساطـعٌ
طوبى فغصنُ الخيرِ فيهِ فارعُ
إنَّ البيوتَ بالحسـينِ عامــرةْ
من فضلِهنَّ بالعـطاءِ زاخــرةْ
يشار إلى أنه عُرض في الحفل فيلم وثائقي لمسيرة خدمتها لما يزيد على النصف قرن، وشارك فيه سماحة الشيخ مصطفى الموسى، وابنها الدكتور فاضل الموسى، وعلي حسن الموسى، كما طرحت الخطيبتان حميدة بن درويش وأم مفيد آل غزوي كلمة حول المنبر الحسيني والصفات الواجب على متصديه الالتزام بها.