21 , ديسمبر 2024

القطيف اليوم

مخافة الفَوت و«الخرفنة» على الرائحة والشكل والصَوت

متى كانت آخر مرة استجبتَ فيها لإعلانٍ ما على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ربما استغرق الأمر ثواني عدة لإقناعك بشراء منتج أو خدمة، ودقائق عدة لإتمام عملية الشراء. لاحقًا، قد تكتشف أن اختيارك كان صائبًا، وقد تأسف لأنه لم يكن كذلك.  

تجلب لنا التقنية فوائد عديدة فهي تزيد من السهولة والسرعة التي نتم بها معاملاتنا اليومية بما في ذلك التسوق الإلكتروني، لكنها تزيد أيضًا من سرعة تفاعلنا مع ما نتلقاه منها، ما يجعلنا نغفل أحيانًا عن فهم دوافعنا وسلوكياتنا تجاه أمرٍ ما بشكل عميق، ونتخذ قرارات عجولة وغير ملائمة لاحتياجاتنا. إن الفورية التي نضع بها إعجابًا أو تعليقًا تصنع لنا قاعدة واسعة من التفضيلات التي تُسهّل على خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي إغراقنا بوابل من المحتوى المشابه لما نتفاعل معه.

فما الذي يجب عليك معرفته لتتفاعل بشكل سليم وحكيم مع محتويات وسائل التواصل الاجتماعي وتبني اختياراتك بناء على احتياجاتك الفعلية؟ إليك قاعدتين أساسيتين: 

عمّق نظرتك للرسائل التسويقية 
تُصاغ رسائل الإعلانات باستخدام المفردات والتراكيب التي أثبتتْ جدواها وفاعليتها في جذب الجماهير، وتحفيزهم لشراء منتجات أو خدمات معينة، وقد ذكر هاري ميلز في كتابه (فن الإقناع) عدة كلمات أثبتتْ الدراساتُ أنها جاذبة للانتباه، ومن ضمنها (فائدة، سهل، نتائج، أكيد، آمن، ضمان)، ولو دققتَ في الرسائل الإعلانية المكتوبة أو المسموعة من حولك لوجدتَ بعض هذه الكلمات. لكن في زمننا هذا الذي يتسم بالسرعة الفائقة، وأصبحتْ الفيديوهات القصيرة هي الأكثر شيوعًا للإعلانات، قد يلجأ المعلنون لاستخدام مفردات جديدة وينجحون في جعلها مستساغة ومقبولة بين الناس. مثلًا (الخرفنة) والتي تدل على الانسياق الفوري لشيء جاذب ومثير أصبحتْ مفردة شائعة الاستخدام، وقد يساهم شيوع مصطلحات من هذا القبيل في صناعة بيئة تحفّز الناس على التفاعل بشكل فوري وشراء ما لا يحتاجونه أو لا يوافق تفضيلاتهم الحقيقية. 

قد يقول المعلن مثلاً (عندما تستخدم هذا العطر، سيتخرفن كل من يمر حولك) أو (دخلتُ إلى المقهى الفلاني فتخرفنتُ من أجوائه). وصار المستهلك يردد كذلك (اشتريتُ هذا الفستان لابنتي، لأنني تخرفنتُ مذ رأيته).

ولستُ أدري هل تطوّرتْ حواسُ الخرفان فأصبحت تستجيب بسرعة للمثيرات البصرية والسمعية والشمّية؛ ما جعلنا نضرب بها المثل عندما تُثار حواسنا ونُساق وراءها دونما وعي وإدراك، أم أن لغتنا هي التي اتّسعتْ ليصبح مصطلح (الخرفنة) صالحًا للاستعمال في كل موضع نحتاج فيه لتبرير اختياراتنا غير الموفقة أو العجولة، ونكسب التأييد لها؟!

لا تخف الفوت
تُبنى الرسائل التسويقية على أساس إقناع العميل بالشراء خلال ثوانٍ عدة من مشاهدته للرسالة، وتتضمن الجهود التسويقية تحليل الشخصيات ونقاط الألم، ثم تصميم حلول ومنتجات تساعد على تجاوز نقاط الألم. مثلًا قد تصاغ رسالة تسويقية كالتالي (هذا المنتج سيساعدك على التخلص من التعب، أو سيوفر عليك الوقت أو المال)، وربما كان هذا صحيحًا في بعض المواضع، وسيكون التسويق حينها خادمًا لاحتياجات العميل، لا خادعًا له. 

أما عندما يشعرك المعلن أن الانتظار والصبر غير محمودَين، ويضيّقون صدرك إن فاتك شيء كقولهم (المخطئ مَن يفوّت على نفسه هذا العرض المجنون)، فلربما انسقتَ وراء هذه العبارة المضلّلة، وستصبح خسارتك على المدى البعيد تفوق مكاسبك على المدى القريب.

وقد يظهر الخوف من الفوت في صُور أخرى لا تتعلق بشراء السلع، وإنما بالحالة النفسية التي يعيشها المستخدم. يُطلق العلماء مصطلح FOMO وهو اختصار لـ Fear Of Missing Out على الحالة النفسية التي تصيب الأشخاص الذين يدمنون وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب خشيتهم أن يفوتهم تطور معين أو يفقدوا تجربة ثريّة، فيزداد فضولهم ورغبتهم في الارتباط المستمر بما يفعله الآخرون، ويعمدون إلى قضاء المزيد من الوقت على الهاتف. عندما يتعاظم الأمر، قد يؤدي الخوف من الفوت إلى عدم الرضا عن الحياة، والسخط المستمر على الرتابة والروتين. 

ما لم نؤسس لأنفسنا قاعدة فكرية ومعرفية راسخة نبني عليها تصرفاتنا وقراراتنا أثناء استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي، فسنبقى دائمًا نخاف أن يفوتنا شيء ونتخرفن على كل شيء!


error: المحتوي محمي