19 , مايو 2024

القطيف اليوم

سوالف لول.. «الحكيم عبيد - 6»

السالفة السادسة «الحكيم عبيد»

سوالف لول عبارة عن قصص وعِبر نبحر بها عبر الزمان ونلتقي فيها شخصيات مختلفة تحدث لها أحداث معبرة نستفيد منها -إن شاء الله.

قصةُ الدنياِ كتابٌ فيهِ للخَلقِ فصول

على الله توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.

في قديم الوقت كان وبه كان المكان

خيرُ قولُ المرءِ ذكرٌ وبه الحقُ يبان

وصلاةُ الله تأتي لكريمٍ ذي بيان

ولد عبيد لأم بسيطة الحال مع زوجها الحمال البسيط في السوق وكانا رغم بساطتهما يتمتعان بموهبة فريدة من نوعها "وافق شنٌ بها طبقه" ألا وهي إحساسهما بحياة الجمادات، فرغم أن الجماد لا يتحرك إلا أنه قد يكونُ حيًا أو ميتًا وخير دليل على ذلك الأشجار، وقد كانا لا يأتيان منزلهما إلا كل شيء حي من الماء والغذاء وغيره مما انعكس على روحهما ونفسهما وأخلاقهما التي كانت رفيعة، وعند ولادة عبيد الذي كان صغير الحجم، حمدا الله على هذه النعمة التي منحها الله إياهم، وإتفقا أن يسميانه "عبيد" (أي عبد لله ولأنه كان صغيرًا مقارنة مع باقي المواليد)، بدأ عبيد بالنمو في ظل والديه وكانا يحيطانه برعاية وحنان ويأملان أن يكون عبيد ذا شأن رغم صغره وقصره ولهذا أدخلاه (المعلم - الكُتاب) (المكان الذي كان يتعلم فيه الأطفال القرآن والكتابة والحساب بيد معلم بما يناسب ذلك الزمان)، ولم يكن عبيد من الأولاد المتقدمين والبارعين في الدروس ولكنه كان جادًا في طلب العلم بحسب قدرته وكانت موهبة والديه قد انتقلت إليه مما جعله لا يأخذ أي دفتر للتعلم ولا أي كتاب أو قلم إلا ما كان حيًا، مما جعل المحيطين به يظنون أنه موسوس (لديه مشكلة نفسية في أخذ الأشياء بحذر زائد على العادة)، وفي يوم من الأيام اشترى والد عبيد ملابس جديدة عبارة عن عمامة صغيرة وجب (نوع من أنواع العباءات)، وحذاء وقامت أمه بإلباسه إياها، وذهب للمعلم على العادة، فما رآه المعلم نظر إليه نظرة سخرية واستهزاء وقال له "يا حكيم عبيد" ساخرًا منه، فأثرت الكلمة في نفسه وقلبه وبكى على إثرها، وبعد انتهاء ذلك اليوم العصيب على قلبه وهو خارج من الكُتّاب كان أحد المعلمين من بلدة أخرى قادمًا لزيارة معلم البلدة وطلب ماء فقال معلم البلدة لأفضل طلابه سعيد أن يحضر الماء للمعلم الزائر فقام سعيد بإحضار ماء كان في إحدى الأوعيه، ولأن عبيد يحسُ الحياةِ في الجمادات وقف أمام سعيد وقال له خذ الماء من الوعاء الآخر، فالتفت المعلم الزائر إلى عبيد وسأله لمَ ذلك؟ فقال عبيد وهو يمسح دموعه لأن الماء من الوعاء الآخر فيه الحياة، ففهم المعلم الزائر هذه القدرة لدى عبيد وسأله عن سبب حزنه لما رأى أثر البكاء فقال عبيد إن معلم القرية سخر منه للباسه ولقبه بـ(الحكيم عبيد) ساخرًا، فقال المعلم الزائر في نفسه أنت فعلًا حكيم، وطلب منه الانتظار وبعد أن شرب الماء وجلس مع معلم القرية برهة من الزمن قرر الخروج وطلب من عبيد اصطحابه في القرية لأنه قرر أن ينزل فيها وطلب من عبيد أن يكون أول تلميذ لديه بعد أن استأجر منزلًا فيها، وصار المعلم الجديد يبذل جهدًا كبيرًا في تعليم عبيد وصقل موهبته في معرفة الحي من الميت من كل شيء حوله وكان ذلك سببًا في قدرته على تشخيص العلل والأمراض وبعد عشر سنوات مرت مرض المعلم الأول للقرية مرضًا أقعده عن التدريس واستصعب المرض على الأطباء وكان عبيد قد بلغ السابعة عشرة ولكنه لا يزال ذلك الفتى القصير الذي وهبه الله تلك الموهبة التي نمّاها معلمه الثاني وأصبح بها حكيمًا، فقرر زيارة معلمه الأول، فلما زاره تذكر المعلم موقفه لما رأى عبيدًا بذلك الزي في صغره وهو الآن أي عبيد يلبسه فضحك المعلم ولكن عبيد أصبح لديه من الوعي والدراية ما جعله لا يبالي بردة فعل المعلم المريض بل قام بتشخيص مرضه لأكله بعض اللحوم التي لا حياة فيها وهنا انبهر المعلم المريض من قدرة الحكيم عبيد على صغر سنه وحجمه على العلاج واعتذر له لسوء تصرفه معه وقدر إليه حسن خلقه وشكر للمعلم الثاني رعايته لعبيد.

لكل منا موهبة يهبه الله إياها ولكن هناك من يهدم البناء وهنالك من يقيمه. {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} صدق الله العلي العظيم.

 السالفة القادمة "بن جبران".


error: المحتوي محمي