27 , يوليو 2024

القطيف اليوم

الدنيا حظوظ!

انقضى شهرا محرم وصفر وصرنا في شهر ربيع الذي تعود فيه الألوان جميلة والمناسبات سعيدة ولابد أن يصيب الخواطر المكتوبة شيء من هذه الانعطافة الزمنية السعيدة.

من مشاهدات شخصية، نادل المطعم شاب مهذب وسيم غير أنه من بلد خربته الحروب. شاب آخر في نفس العمر يجلس على طاولة يتناول وجبة فاخرة. طفل يبيع خردة في الشوارع من الصباح حتى المساء، لا يربح هللات وطفل يلعب دون ملل، يأكل ويشرب، يتعلم في أرقى المدارس وينتظر آخر إصدار من الهاتف الذكي! وكما يقال طفل يولد وفي فمه ملعقة ذهب وآخر لا ملعقة في فمه ولا هم يحزنون.

لا ترى عين لإنسان في الحياة إلا مشهدًا واحدًا في لحظة واحدة وإلا أراهنكم أنه يوجد ملايين الشبان أقل حظًا من الشاب النادل في المطعم والشاب اللعوب يجزم أنه أقل حظًا من غيره. ياما في الشوارع والحياة المزدحمة أناس حظهم ضاع أيضًا في الزحام!

لو كان للفقر أب لعناه! في بعض الأحيان الظروف أكبر من الإنسان وقدرته على تغيير واقعه المقرف كيفما يشاء. كيف ينهض من على كتفه طن، ألف كيلوغرام من الأوزان؟ كيف يصطاد سمكة وشباك الصيد مخرقة؟
إنّ حظّي كدقيق ٍ
فوقَ شوكٍ نثروهُ
ثمّ قالوا لحُفاةٍ
يومَ ريحٍ اجمعوهُ
صعُبَ الأمرُ عليهمْ
قلتُ يا قومِ اتركوهُ
إنّ من أشقاهُ ربِّي
كيفَ أنتم تسعدوهُ؟

تفاوت البشر واختلافهم في المعيشة، لا يعني شيئًا في تفاوتهم في المقامات والمنازل المعنوية مطلقًا، فكم من جاهل لديه رصيد بالملايين وعالم لا يملك مصرف يومه؟

نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ! هو الله الذي يقسم الأرزاق والمعايش ويرفع بعضًا فوق بعض في المعيشة. وفي الآخرة قسمة وحساب آخر لا يفهم تفاصيله الدقيقة إلا الله المتعالي ومن سمح الله له بالعلم.

المعجزة أن يعمل الإنسان ويستعين بالله ويغير الحظ الرديء الأسود إلى أجمل. ومن مشاهدة شخصية في سنوات عمري رأيت وقرأت عن شخصيات كثيرة كانوا أثرياء وبين ليلة وضحاها ضاعت الثروة وعادوا فقراء وأناس كانوا فقراء بالكاد يجدون ما يأكلون أعطاهم الله المال بالأطنان.

المؤمن إن لم يكن حظه في الدنيا طيبًا، فهو في الآخرة طيب دون شك! والكافر حظه في الدنيا أطيب من حظه في الآخرة - كل حظه في الدنيا. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "الدنيا سجن المؤمن وسنته، فإذا فارق الدار فارق السجن والسنة". 

ابتسم أو أبك، هذا الهواء وهذه الشمس هبة الله لأصحاب الحظ الأشداء وللتعساء البؤساء في آن واحد. إن الإنسان لا يعطي غيره خبزًا لكن هو الله الذي يعطي الإنسان الخبز والأمل والحظ. الذي يجعل المياه تنساب دون تساو في الأرض يجعل الحظ ينساب دون تساو بين الناس وما نستشعره أنه في مصلحتنا، الله وحده يعرف كيف يجريه ويقسمه.


error: المحتوي محمي