الاصطدام بواقع الحياة و انكشاف حقائق بعض الأشخاص الذين كنا نحمل عنهم صورة جميلة سرعان ما تحطمت ، كلها مواقف صعبة تصيبنا بدوار الرأس و تشل تفكيرنا و ترهق مشاعرنا و تضعف إرادتنا ، و يحيط بنا الإحساس بفقدان الثقة بما حولنا شيئا فشيئا ، و ما يحيرنا هو الرغبة في الوصول إلى معرفة مفاتيح الحياة و اتجاه حركة عجلة الزمن ، و نتنقل بين أسئلة و بحث عما يريح أنفسنا و لكن في النهاية لا نحصل على ما نريد ، و لا نجد ما يشفي رحلة البحث المعمق بل نعود إلى نقطة البداية بخفي حنين.
البداية الصحيحة لمعرفة واقعنا تنطلق من أنفسنا قبل البحث عن أي شيء آخر ، فما لم نتعرف عن طريقة تفكيرنا و حقيقة مشاعرنا و اكتشاف محتويات الصندوق الأسود و العالم الخفي لذواتنا ، فلن نصل إلى شيء محدد و ستكون بوصلة اتجاهنا تصطدم بطريق مسدود ، إذ الصورة الواضحة لقدراتنا و وجهات نظرنا و تصوراتنا للأحداث و العلاقات و مسيرة الحياة و النظم التي تحكمها ، يضعنا على السكة الصحيحة و ينعم علينا بخيارات التعامل وفق الحل الأمثل ، بعيدا عن الخطوات الساذجة و المتهورة.
في الحقيقة أن هناك الكثير من العوامل المؤثرة و المؤدية إلى حالة من الانفصال عن الواقع و الضجر من تقلبات أحواله ، و بالتأكيد فإن الوصول إلى حالة معنوية راقية من التوازن و الهدوء النفسي أمام الأزمات و الإخفاقات يعتمد على معالجة الأسباب بشكل جذري ، إنه فهم الواقع و السنن التي تحكم حياتنا و الاستعداد للتكيف مع الصعوبات و تحملها ، فالحياة الهانئة و الخالية من المنغصات ضرب من الوهم و الخيال لا يمكن رؤيته إلا في الأحلام الوردية.
الحياة تحكمها سنن و منها ثنائية الخير و الشر ، و في الوقت الذي تجد فيه نفوسا طيبة و تتعامل مع الآخرين بكل رقي و احترام ، ترى أناسا آخرين قد أعماهم الجشع و نزعة الشر و العدوان و الحقد و غيرها من الآفات و الأمراض ، و هذا التقسيم و التباين لن يخلو منه مشهد الوقائع و الأحداث اليومية ، و ما علينا سوى التحسب لخطواتنا قبل الإقدام على أي شيء ، و البحث و حسن الاختيار في علاقاتنا و تعاملنا مع الآخرين ، و أخذ الحيطة و الحذر من المخادعين و أصحاب النفوس الشريرة.
و لذا فإن سلوك الغير و تصرفاته في منحناها السلبي و السيء تلقي بظلالها الثقيلة على من يحيط به ، فالشخص العصبي الانفعالي و صاحب اللسان السليط و الأناني و المتكبر يشكل مصدر إزعاج و ضيق لمن يتعامل أو يتحدث معه ، و علينا تجنب الالتصاق و التقرب منهم ، و إن اضطررنا للتعامل معهم في دائرة الأرحام أو العمل فليكن ذلك في نطاق الضرورة.
و النظرة العاطفية البلهاء للأمور و تقييم المواقف تعصف بأرواحنا و تدعها قاعا صفصفا ، و نصاب بصدمة من واقع أهل الغدر و الخيانة و المتلاعبين بأحاسيس الغير لمجرد أنه طيب متسامح لا يعرف الحقد و طريق المكائد ، فلا تطلبن الود الخالص من كل أحد فبكل بساطة هناك من له قلب لا يعرف الحب.
و في زمن طغت فيه النظرة المادية و المنفعة الضيقة دون مبالاة و اهتمام بالقيم و الأسس الأخلاقية ، من الطبيعي أن تجد المتلونين و الممثلين البارعين و المتزلفين من أجل تحصيل مآربهم ، و ما إن يظفروا بمرادهم تتغير سحنات وجوههم و تختفي بسماتهم الباهتة و يلقون بأقنعتهم الزائفة ؛ لتتكشف سرائرهم و أنهم بعيدون - كل البعد - عن روح الإنسانية و العلاقات القائمة على المواساة و التعاون و التكاتف.
و الفراغ الروحي يجعل الإنسان ينظر للأمور و الأحداث بعين الشكوك و الضعف النفسي ، فيسقط في أتون اليأس و الإحباط عند مواجهة البلاء و الشدائد ، بينما النورانية الإيمانية تثبت أقدام المرء على أرضية الصبر و تحمل الصعاب ، فالنظرة السلبية و التشاؤم من المستقبل نتائج لسوء الظن بالله تعالى.
مفهوم القوة و السعادة له ارتباط وثيق بمتاعبنا و معاناتنا في الحياة ، فالقوة و السعادة ليست بامتلاك المال و الجاه و الحصول على ما يريد ، بل هي المكنة من تنمية قدراته و تحقيق الإنجازات ، و تجاوز العقبات و المحن لما يمتلكه من هدوء نفسي و ضبط لمشاعره من الاستفزاز و الانفعال .



