قبل أسابيع، فتحت القطيف عينيها على طريق جديد طال انتظاره، هو امتداد طريق الرياض حتى بلدة الجارودية بالقطيف، الطريق الحديث الذي أنار ليالي المحافظة بتصميمه الجميل، وفتح صدره لسيارات الناس ومتنزهيهم.
الكل أشاد بجماله واتساعه ونظامه، وصار مقصدًا يوميًا للمشي والتصوير وقضاء الوقت، بل تحول إلى علامة حضارية.
لكن كالعادة، لم يهنأ الطريق طويلًا، فما إن استقر الإسفلت وجف الصبغ (الطلاء)، حتى بدأت معه فوضى الدراجات النارية، وسباقات المراهقين، واستعراضات السرعة الفارغة التي لا علاقة لها لا بالرياضة ولا بالرجولة.
بعضهم يتعامل مع الطريق وكأنه ملك خاص، أو مضمارٌ للسباق، أو مساحة لإثبات الوجود عبر ضجيج الدراجات أو القيادة المتهورة بالسيارات، وللأسف، وقعت حوادث مؤسفة لم يكن فيها الجمال ذنبًا، بل التهور وحده.
المؤلم أكثر أن بعض هؤلاء ليسوا مراهقين، بل بالغون، يفترض أنهم وصلوا إلى مرحلة النضج، لكن تصرفاتهم تقول غير ذلك، والكثير منا مر بمرحلة عمرية مشابهة، ولكن ليس بمثل ما نشاهده اليوم من عدم مبالاة وتماد خطير تجاوز حدود الطيش إلى الاستهتار الكامل.
أما العذر الدائم فهو «نحن نتمشى»، والنتيجة غالبًا سيارة محطمة، وعمود إنارة مكسور، وطريق فقد بعضًا من بريقه بسبب رعونة لا تليق.
وجود المرور لا يكفي وحده، لأن الوعي لا يزرع بالمخالفات فقط، فالأمر يبدأ من البيت، من الأب، ومن الأم التي لا تعرف أن صوت الدراجة الذي يخرق الهدوء في منتصف الليل قد يكون صوت ابنها، فالمسؤولية مشتركة علينا جميعًا، وأنا أولهم، والمصيبة حين نظن أن الحوادث تحدث للآخرين فقط.
أنا هنا لا أكتب كي أُعفي نفسي من المسؤولية، فلدي أبناء في سن المراهقة، وقد يكون بعضهم في مقدمة مستخدمي هذا الطريق بطريقة غير مسؤولة، إن لم يكن كلك.
وهذه الحقيقة تجعل الحديث عن الوعي لا يوجه إلى الآخرين فقط، بل يبدأ من داخل البيت، من اعترافنا كآباء بأن دورنا في التوجيه والمتابعة لا يقل أهمية عن دور المرور في الميدان.
ولعل ما دفعني لكتابة هذا المقال وبهذه اللغة القاسية هو مشهد مؤلم، كنت شاهدًا على حادث انقلاب مروع في هذا الطريق، سيارة تعرضت لانقلاب نتيجة التهور، والتفت على نفسها أكثر من مرة قبل أن تستقر مدمرة على جانب الطريق بعد أن ارتطمت بعمود.
شاب في مقتبل العمر كان ممددًا على الأرض، يحاول رجال الهلال الأحمر إسعافه، بينما وصل والده أو شقيقه الأكبر يركض نحوه وقد انكسر صوته قبل أن يصل، حين رآه ممددًا على الأرض، كاد أن يسقط في مكانه، لم يتحمل المنظر ولا المشهد الذي لا يمكن لأي أب أن يراه ويبقى واقفًا على قدميه.
تساءلت وأنا أراقب الموقف، لماذا تجعلون آباءكم وأهلكم في هذا الوضع المروع، أي وجع هذا الذي تزرعونه في قلوبهم بتصرفات رعناء لا تستحق إلا الندم، وهنا الكلام موجه لأبنائي قبل الآخرين.
ذلك المشهد وحده كان كافيًا ليوقظ في داخلي كل الغضب والحزن، ويدفعني إلى كتابة هذه السطور علّها تردع من بقي في قلبه ذرة وعي قبل أن يفقد نفسه أو يفجع أهله.
ثم هناك فئة أخرى لا تقل إزعاجًا، وهم سائقي الدراجات النارية من الكبار في السن الذين قرروا أن يعيشوا مراهقتهم المتأخرة على إسفلت الطريق، يتجول أحدهم بخوذته اللامعة ونظارته السوداء كأنه في سباق، بينما يصدح صوت دراجته كصافرة إنذار في منتصف الليل.
تتساءل هل هذا الشخص فعلًا يجد متعة في إزعاج الناس، أم أنه يحاول سد فراغ داخلي يشعره بأنه لا يزال شابًا، هل يشعر بنقص في ذاته فيحاول أن ي ثبت وجوده عبر الضجيج والسرعة.
من يشاهدهم يتساءل، أهو تمرين رياضي أم علاج نفسي، فالمشهد بات كوميديًا أكثر منه رياضيًا، سرعةٌ بلا هدف سوى أن يسمع نفسه وهو يثير الغبار.
إنهم لا يحتاجون إلى مخالفة بقدر ما يحتاجون إلى مرآة ينظرون فيها جيدًا ليروا ما الذي يحاولون تعويضه بهذا الاستعراض الفارغ.
مشروع امتداد طريق الرياض بالقطيف ليس مجرد إنشاء شارع عبثي كغيره من الطرق، بل مشروع تنموي يليق بالمحافظة، وجزء من رؤية الدولة في تحسين جودة الحياة، لكن الجمال لا يحمي نفسه، والإنجاز لا يعيش طويلًا وسط فوضى السلوك.
الطريق اليوم يشكو من سوء الاستخدام، ومن نظرة بعض الشباب له كمتنفسٍ للفوضى بدلًا من كونه رمزًا للتحضّر، وباختصار، نحتاج أن نعيد تعريف المتنفس، فالمتنفس ليس المكان الذي نطلق فيه ضجيجنا، بل الذي نحترم فيه أنفسنا والآخرين.
وحتى لا يتحوّل هذا الطريق الجميل إلى مسرح دائم للحوادث، فليتحمل كل واحد منا مسؤوليته، السائق، والأب، والمراقب، والمجتمع كله، فالتهور لا يترك خلفه سوى أرواح مهدورة.
الكل أشاد بجماله واتساعه ونظامه، وصار مقصدًا يوميًا للمشي والتصوير وقضاء الوقت، بل تحول إلى علامة حضارية.
لكن كالعادة، لم يهنأ الطريق طويلًا، فما إن استقر الإسفلت وجف الصبغ (الطلاء)، حتى بدأت معه فوضى الدراجات النارية، وسباقات المراهقين، واستعراضات السرعة الفارغة التي لا علاقة لها لا بالرياضة ولا بالرجولة.
بعضهم يتعامل مع الطريق وكأنه ملك خاص، أو مضمارٌ للسباق، أو مساحة لإثبات الوجود عبر ضجيج الدراجات أو القيادة المتهورة بالسيارات، وللأسف، وقعت حوادث مؤسفة لم يكن فيها الجمال ذنبًا، بل التهور وحده.
المؤلم أكثر أن بعض هؤلاء ليسوا مراهقين، بل بالغون، يفترض أنهم وصلوا إلى مرحلة النضج، لكن تصرفاتهم تقول غير ذلك، والكثير منا مر بمرحلة عمرية مشابهة، ولكن ليس بمثل ما نشاهده اليوم من عدم مبالاة وتماد خطير تجاوز حدود الطيش إلى الاستهتار الكامل.
أما العذر الدائم فهو «نحن نتمشى»، والنتيجة غالبًا سيارة محطمة، وعمود إنارة مكسور، وطريق فقد بعضًا من بريقه بسبب رعونة لا تليق.
وجود المرور لا يكفي وحده، لأن الوعي لا يزرع بالمخالفات فقط، فالأمر يبدأ من البيت، من الأب، ومن الأم التي لا تعرف أن صوت الدراجة الذي يخرق الهدوء في منتصف الليل قد يكون صوت ابنها، فالمسؤولية مشتركة علينا جميعًا، وأنا أولهم، والمصيبة حين نظن أن الحوادث تحدث للآخرين فقط.
أنا هنا لا أكتب كي أُعفي نفسي من المسؤولية، فلدي أبناء في سن المراهقة، وقد يكون بعضهم في مقدمة مستخدمي هذا الطريق بطريقة غير مسؤولة، إن لم يكن كلك.
وهذه الحقيقة تجعل الحديث عن الوعي لا يوجه إلى الآخرين فقط، بل يبدأ من داخل البيت، من اعترافنا كآباء بأن دورنا في التوجيه والمتابعة لا يقل أهمية عن دور المرور في الميدان.
ولعل ما دفعني لكتابة هذا المقال وبهذه اللغة القاسية هو مشهد مؤلم، كنت شاهدًا على حادث انقلاب مروع في هذا الطريق، سيارة تعرضت لانقلاب نتيجة التهور، والتفت على نفسها أكثر من مرة قبل أن تستقر مدمرة على جانب الطريق بعد أن ارتطمت بعمود.
شاب في مقتبل العمر كان ممددًا على الأرض، يحاول رجال الهلال الأحمر إسعافه، بينما وصل والده أو شقيقه الأكبر يركض نحوه وقد انكسر صوته قبل أن يصل، حين رآه ممددًا على الأرض، كاد أن يسقط في مكانه، لم يتحمل المنظر ولا المشهد الذي لا يمكن لأي أب أن يراه ويبقى واقفًا على قدميه.
تساءلت وأنا أراقب الموقف، لماذا تجعلون آباءكم وأهلكم في هذا الوضع المروع، أي وجع هذا الذي تزرعونه في قلوبهم بتصرفات رعناء لا تستحق إلا الندم، وهنا الكلام موجه لأبنائي قبل الآخرين.
ذلك المشهد وحده كان كافيًا ليوقظ في داخلي كل الغضب والحزن، ويدفعني إلى كتابة هذه السطور علّها تردع من بقي في قلبه ذرة وعي قبل أن يفقد نفسه أو يفجع أهله.
ثم هناك فئة أخرى لا تقل إزعاجًا، وهم سائقي الدراجات النارية من الكبار في السن الذين قرروا أن يعيشوا مراهقتهم المتأخرة على إسفلت الطريق، يتجول أحدهم بخوذته اللامعة ونظارته السوداء كأنه في سباق، بينما يصدح صوت دراجته كصافرة إنذار في منتصف الليل.
تتساءل هل هذا الشخص فعلًا يجد متعة في إزعاج الناس، أم أنه يحاول سد فراغ داخلي يشعره بأنه لا يزال شابًا، هل يشعر بنقص في ذاته فيحاول أن ي ثبت وجوده عبر الضجيج والسرعة.
من يشاهدهم يتساءل، أهو تمرين رياضي أم علاج نفسي، فالمشهد بات كوميديًا أكثر منه رياضيًا، سرعةٌ بلا هدف سوى أن يسمع نفسه وهو يثير الغبار.
إنهم لا يحتاجون إلى مخالفة بقدر ما يحتاجون إلى مرآة ينظرون فيها جيدًا ليروا ما الذي يحاولون تعويضه بهذا الاستعراض الفارغ.
مشروع امتداد طريق الرياض بالقطيف ليس مجرد إنشاء شارع عبثي كغيره من الطرق، بل مشروع تنموي يليق بالمحافظة، وجزء من رؤية الدولة في تحسين جودة الحياة، لكن الجمال لا يحمي نفسه، والإنجاز لا يعيش طويلًا وسط فوضى السلوك.
الطريق اليوم يشكو من سوء الاستخدام، ومن نظرة بعض الشباب له كمتنفسٍ للفوضى بدلًا من كونه رمزًا للتحضّر، وباختصار، نحتاج أن نعيد تعريف المتنفس، فالمتنفس ليس المكان الذي نطلق فيه ضجيجنا، بل الذي نحترم فيه أنفسنا والآخرين.
وحتى لا يتحوّل هذا الطريق الجميل إلى مسرح دائم للحوادث، فليتحمل كل واحد منا مسؤوليته، السائق، والأب، والمراقب، والمجتمع كله، فالتهور لا يترك خلفه سوى أرواح مهدورة.



