13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

زكي المدلي.. رحيل مفاجئ يعيد الحياة إلى صورة زرعت النخيل في ذاكرة «توبي القطيف»

تصدّرت صورة قديمة التقطت قبل نحو نصف قرن المشهد في فضاء الإنترنت، كلّما عاد الحديث عن القطيف القديمة وملامح واحتها الخضراء، لما تحمله من جمال طبيعي استثنائي يكشف ملامح المكان قبل أن تمتد يد العمران إلى بساتينها.

وأظهرت الصورة طريقًا تحفّه النخيل من الجانبين، في مشهدٍ ليس مجرد منظر جميل، بل وثيقة بصرية تعود إلى عام 1397هـ، توثّق الطريق المعروف بـ«طريق المِكيزية» المؤدي إلى غرب بلدة التوبي حيث بساتينها، إحدى البلدات الزراعية العريقة في محافظة القطيف.

وجسدت صفوف النخيل الباسقة ممرًا أخضر يعانق الأفق، لتشكّل لوحة منسوجة بخيوط الضوء والظل، فيما اختزل الطريق الترابي الممتدّ بين الخِضرة هوية المكان وخصوبته الزراعية القديمة.

وظهر في مقدّمة الصورة شابّان يسيران بخطى وادعة بين النخيل، في مشهدٍ يعكس بساطة الحياة الريفية في القطيف آنذاك، حين كان السير بين البساتين جزءًا من يومٍ عادي يفيض بالسكينة.

وبقيت الصورة متداولة لسنوات طويلة، دون أن يُعرف مكانها وصاحبها، حتى كشف زكي علي هاشم المدلي سرّها في منشور دوّنه قبل وفاته بفترة وجيزة جدًا، موضحًا أنّه هو من يظهر فيها برفقة شخصٍ آخر اسمه ناصر المياد، وأنها التقطت في طريق المِكيزية المؤدي إلى البرّ كما يُصطلح سابقًا، مضيفًا عبارته الدافئة «أيام جميلة»، وكأنه كان يستعيدها آخر مرة.

وجاءت المفارقة اللافتة حين توفي الراحل المدلي بنوبة مفاجئة مساء الخميس ١٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ، بعد أن كشف سرّ الصورة التي لازمته نصف قرن، وكأن القدر أراد أن يربط بين انكشاف سرّها ورحيله عنها، حتى لا يكون خبر وفاته عابرًا بل امتدادًا لذكراه التي خُلّدت بها.

وأعاد هذا الكشف ارتباط اسم الراحل بالصورة التي أعادت إليه الضوء بعد عقود من الالتقاط، فرغم شغفه بتصوير الحياة اليومية والزراعية في بلدته التوبي، فإن هذه الصورة فرضت نفسها كذاكرة وهوية رقمية للقطيف، إلى جانب مجموعة من الصور الخالدة التي وثقت ملامحها القديمة واستعادت دفء حياتها الريفية وخلدت اسمه عليها مذاكرة أبدية.

وعادت الصورة اليوم، بعد مرور نحو خمسين عامًا على التقاطها، لتذكّر الأجيال بأن القطيف كانت واحة من ضوء وظلال، وأن في أرشيف المصوّرين المحليين ذاكرة تستحق أن تروى.

وتبقى هذه اللقطة الخضراء أكثر من مجرد صورة قديمة، إنها أيقونة تحكي علاقة الإنسان بالنخيل، وتنبض بتوقيع صاحبها الذي أحبّ الأرض فرسمها بعدسته إلى الأبد.

Uploaded Image


error: المحتوي محمي