قرأت لأحد الذين كتبوا عن التاريخ القديم جملة تقول: "رغم هذه الظروف البائسة كان الناس أصحاء الأبدان، سعداء"! أحب أن أسأل من عاش تلك السنوات ما إذا كانت الحياة قديمًا أجمل؟ هلا فعلا كان الناس أصحاء وسعداء أم لا؟!
الغريب أن الكاتب أسهب في شرح معاناة ما قبل دخول الكهرباء في فصل الصيف، الطرق الترابية والمباني المتهالكة المبنية من مواد بسيطة، صعوبة ومشقة السفر، ندرة التعليم، شح الماء وملوحته حيث كان الماء ينزف من آبار وعيون جارية ثم يجلبه الباعة في القرب والأواني على ظهور الحمير.
الكاتب لم يعش الآن ليرى أن الأمور تغيرت بسرعة مذهلة في السنوات الأخيرة. الذين عاشوا جزءًا من حياتهم تلك الفترة، وهم أحياء الآن، يرون الفارق الكبير بين الماضي والحاضر. أنا شخصيًّا رأيت صعوبة الحياة في فصول الصيف الحار الرطب. لا نستطيع أن ننام، مراوح يدوية من سعف النخيل، ثم بعد مدة مروحة كهربائية. العرق يسيل مثل الخيوط على أجسام الناس.
أعتقد أننا نعامل الزمن مثل الأموات. عندما يموت أحد الناس تصبح سيرته وذكراه أطيب من حياته - اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا. الناس يغفرون للزمان إذا انقضى ويتمنون أن يعود ليس لأنهم أحبوه آنذاك إنما لأنه أصبح من الماضي.
العيش على مصائد البحر وما يمكن للأرض أن تنتجه من زرع تحت شمس حارقة. تخيل الدجاجة التي تشتريها طازجة من البقالة تبذل جهدًا كبيرًا لكي تشتريها، البيضة، الخبزة، الثوب، كل شيء يحتاج إلى جهد ومشقة لكي تحصل عليه، فقيرًا كنت أم غنيًّا! فرص العمل، التعليم، أشياء لم تحصل للأجيال السابقة. ما يتوفر الآن من خدمات وغيرها لم يحلم بها أحد في ذلك الزمان.
الرجال والنساء من الزمن القديم لم يعيشوا الحياة الشهية التي نظن أنهم عاشوها. على العكس تمامًا عاشوا المعاناة والكفاف والصبر على كل مناشط الحياة. في السنوات اللاحقة أفاض النفط على الحياة السعة والرخاء وانتهت حكاية عصر البؤس الذي ندعو الله أن لا يعود. اليوم (٢٠٢٥م) بصفة عامة أصبحت الحياة أكثر تنظيمًا وأريح.
كان الزمن الماضي أجمل لأننا كنا أشبّ وأقوى، نجري مثل أحصنة:
فذاك زمانٌ لعبنا به * وهذا زمانٌ بنا يلعب
مع ذلك لو سألنا أحدٌ الآن: هل ترغبون أن تعود الحياة كما كانت؟ كلنا - أو أغلبنا - سوف يقول بضرسٍ قاطع: لا! لا أحبّ أن تعود.



