13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

حين يموت الطبيب.. السيد باقر العوامي من تجربة عائلية!

حين يموت طبيب يموت صديق عزيز، يموت أب، يموت أخ، يموت جدّ! ما علاقة الطبيب بكلّ هؤلاء؟ لا علاقة بيولوجية بين الطبيب وبين كلّ هؤلاء إنما علاقة تنبثق من زيارة، من نصيحة، من علاج، من قصة وحكاية نجاح!

يومًا بعد يوم وسنةً وراء سنة يعمل الطبيب؛ يداوي، يمسح الألم، يخفف الوجع، يعطي الأمل. كلّ همه أن يتعافى المريض. تقول: أي نعم، لكن ليس كلّ طبيب! أقول لك: في كل مهنة تجد من يعطيها صفةً سلبية لكن المجتمع مثل بناء تحمله جسور كفاءات؛ عالم دين عارف ورع، أستاذ مخلص، مهندس، طبيب، تاجر أمين، دون أن أحصي كل مهنة. إذا مات الطبيب مثلًا تهدم جسر يقوم عليه بناء المجتمع وعلى المجتمع أن يعوضه.

خذ مثلًا الطبيب الحاذق الذي خسرته القطيف يوم الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2025م، السيد باقر السيد حمزة السيد هاشم العوامي، كانت لنا ذكرى طيبة معه حين ولدت ابنتي الوسطى قبل نحو عشرين سنة صبيين توأمين "محمد" و"هادي".

ولدا محمد وهادي قبل الميعاد وفي وزن قليل. السيد رحمه الله أحد الأطباء الذين أشرفوا على رعايتهما كلما انتابهمَا عارض صحي. السيد أحد الأطباء، لكننا كنا تشعر أننا نزور أبًا لهما وليس فقط طبيبًا. ليته اليوم يرى أين هما، طالبان في الجامعة بأحسن صحة وقوام. لا أستبعد أن الكثير من أطفال القطيف مرت عليه يد السيد، سَحَجَت شعره الناعم وله حكاية وذكريات.

الطبيب إنسان، وكلّ إنسان يموت، تلك نهاية لا محيد عنها لكن بعض الناس يمكن أن يأخذ مكانه غيره بسرعة وبعض الناس احتاج إلى عشرات السنين لكي يراكم الخبرةَ والمعرفة وليس من السهل تعويض الخسارة.

في كلّ موت وجع قلب لحبيب، خسارة لا تعوض، لكن الأمل معقود على كون مجتمعنا ولادًا لكفاءات راقية ورائعة وهذه سجية المجتمع الحيّ. "إن العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل". من سيرة المرحوم ومن مبادراته المجتمعية لم يكتف بالعلم والشهادة إنما قرن العلم بالعمل نبراسًا وضياءً ينير الطريق لمن بعده.

سقى الله تربته ورواها، مثل هؤلاء الأشخاص لا يموتون، لا شكّ أنهم ينبتون مثل الزهر المتجدد في ذاكرة الناس، هم طراز إنساني فريد. العزاء وخالص الدعاء بالصبر لعائلته ومحبيه وأن يجزيه خير جزاء المحسنين. خُلق من أديم أرض القطيف، كبر وتعلم وخدم الإنسان. اليوم يعود جزءًا لا يتجزأ من الأرضِ التي عشقها وأحبها. عاد لتحفظه وتكرمه حيًّا عند الله سبحانه وتعالى!

هكذا هي الدنيا:
إِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ وَدَوائِهِ * لا يَستَطيعُ دِفاعَ مَكروهٍ أَتى
ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الَّذي * قَد كانَ يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَضى؟
ذَهَبَ المُداوي وَالمُداوى وَالَّذي * جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى
- أبو العتاهية.


error: المحتوي محمي