13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

يومًا ما ستجدني أمامك!!

منذ أكثر من عشرين عامًا، وضعت عبارة صغيرة في زاوية منسية من المنتديات الإلكترونية، وهي «يومًا ما ستجدني أمامك!!»، يومها لم أكن أتصور أن هذه الكلمات البسيطة ستلاحقني حتى يومنا هذا، وتصبح توقيعًا وهويّة رقمية يعرفني بها الكثير.

بدأت الحكاية مع تلك المنتديات التي صارت اليوم من الماضي والذكرى، كانت مكانًا مزدحمًا بالأقلام والأسماء المستعارة، فاخترت أن أترك بصمتي بتلك العبارة، ثم رحلت المنتديات، لكن عبارتي لم ترحل، لحقت بي إلى «تويتر» الذي صار «X»، إلى «فيسبوك»، إلى «إنستغرام»، إلى «سناب»، وحتى إلى «واتساب» الذي يرن في جيوبنا طوال الوقت.

الطريف أنني كلما دخلت تطبيقًا جديدًا وملأت خانة «عنّي» أو «التوقيع»، وجدت نفسي أكتبها من جديد وكأنها بطاقة الهوية الخاصة بي، يومًا ما ستجدني أمامك!!.

لسنوات طويلة لم يتوقف الناس عن سؤالي «ماذا تقصد بهذه العبارة»، بعضهم أخذها على محمل التحدي، وبعضهم ظنها رسالة شخصية، وآخرون عدُّوها لغزًا غامضًا، أما أنا فأبتسم وأدعهم يتخيلون، ثم أجيب ببساطة، هذه العبارة تتعلق بهويتي كصحفي.

في الحقيقة، هي ليست عنّي بقدر ما هي عن الفكرة التي أحملها، عن السؤال الذي لم يُجب عنه بعد، بوصفي صحفيًا، أؤمن أن الكلمة التي أكتبها قد تتأخر في الوصول، لكنها في النهاية ستقف أمام القارئ، عاجلًا أو آجلًا، فالصحافة بالنسبة لي ليست مجرد مهنة، بل رحلة بحث دائمة عن الحضور، عن تسجيل الموقف، عن ترك الأثر.

لهذا، حين أقول «ستجدني أمامك»، فأنا لا أتكلم عن صورتي أو حسابي أو حضوري الجسدي، بل عن قلمي، عن قصتي، عن الفكرة التي لا يمكن الهروب منها.

وبصراحة، أحيانًا أتعامل مع العبارة بطريقة غير جدية، خصوصًا عندما يسألني أحد الأصدقاء عنها للمرة العشرين «يعني متى بنلقاك قدامنا»، فأبتسم وأرد «اصبروا شوي، ترى أنا في الطريق»، ثم أعود لأكتبها من جديد وكأنها تعاند النسيان.

بالنسبة لي هذه العبارة لم تعد مجرد توقيع، بل صارت مرآة تلازمني، هي وعد وابتسامة، جدية وطرافة في آن واحد، قد تتغير المنصات وتذبل التطبيقات، لكن عبارتي باقية «يومًا ما ستجدني أمامك!!».

في النهاية، «يومًا ما ستجدني أمامك!!» لم تكن مجرد كلمات تزيّن توقيعاتي أو شاشات هواتفي، بل تحوّلت دون قصد وبالصدفة إلى فلسفة صغيرة تلخّص علاقتي بالكتابة والصحافة والحياة الرقمية.

وقد تكون تذكيرًا بأن الفكرة الصادقة لا تضيع، وأن الكلمة لا تفنى مهما تغيّرت الوسائط، وأن الصحفي الحقيقي لا يختبئ وراء الأسماء أو المنصات، بل يظل حاضرًا بما يقدّم.

ربما يجدني القارئ اليوم في مقال، وغدًا في تغريدة، أو بعد سنوات في كتاب، لكن الأكيد أن الكلمة التي أؤمن بها ستظل تسعى إليه، حتى يرفع رأسه يومًا ويجدني أمامه بالفعل.


error: المحتوي محمي