عند النظر بتحليل لاستكشاف بيئة المجال الطبي والعثور على مواضع التحدي فإنني أود عرض رأيي من منطلقين:
الأول: تجربتي في القطاع الحكومي كطبيب أطفال بمستشفى الأطفال بالدمام وهو بمنزلة مستشفى مرجعي يخدم مئات الألوف من أطفال المنطقة الشرقية التي يقارب سكانها 4 ملايين نسمة وذلك في الفترة من 2005 حتى 2016.
الثاني: العمل في عيادة خاصة بوسط المجتمع تقدم الرعاية الأولية الجسدية والسلوكية للأطفال تخدم قرابة 50 ألف طفل يعيشون في منطقة خدماتها ولكن على الأقل عيادتي بشكل مباشر زارها أكثر من 5000 طفل خلال آخر 8 سنوات.
يمكن النظر للتحديات في منظومة الرعاية الطبية في قسمين:
الأول: تحديات عامة تشمل كل الأطفال وهي نقاط ضعف عامة تؤثر في مستوى جودة وسرعة الخدمة تجاه كل الأطفال في كل الأمراض على صعيد الأمراض المزمنة التي تتطلب رعاية ممتدة، فاضطراب طيف التوحد هو اضطراب مزمن وعلى صعيد النوبات الحادة التي توجب التدخل العاجل أو الفوري على سبيل المثال مرضى الربو، وهنا يمكن الإشارة إلى التحديات التالية:
1- التنسيق بين أقسام الرعاية والتخصصات المختلفة.
2- فعالية نظام الإحالة من قسم/ تخصص إلى آخر.
3- توفر العلاجات الدوائية وانتظام صرفها.
4- جاهزية أقسام الطوارئ لاستقبال الأطفال في حين النوبات الحادة، جاهزية المكان/ طاقم العمل واستعداده المعرفي والإكلينيكي وإمكانية الاستدعاء لذوي التخصص مثل الطب النفسي في ظل عدم وجود بروتوكولات التدخل العاجل/الطارئ. وأضرب مثالًا للطفل المصاب باضطراب طيف التوحد الذي يصاب أحيانًا بنوبات أرق أو عدم انتظام النوم أو نوبات الهياج والعدوانية فماذا يفعل الأهل وأين ينبغي أن يذهبوا؟
5- جاهزية أقسام التنويم وهنا سوف نشمل طاقم التمريض ونتساءل عن مدى استعداده!
الخلاصة: نقص التدريب الذي يوسع مدى المعرفة والمهارات لدى شبكة أوسع من الطواقم هو تحد كبير في المنظومة الطبية فلماذا لا يكون لدينا كورسات تدريبية محددة ومعتمدة.
ويضاف إلى ذلك تأخر صناع القرار في تفعيل القرارات المرتبطة بتطوير بيئة الرعاية في أقسام التنويم وكذلك أقسام الطوارئ لتواكب حقيقة مدى انتشار هذا الاضطراب وإمكانية طلبهم خدمات متعددة من منظومة الرعاية.
الثاني: تحديات خاصة بطبيعة اضطراب طيف التوحد وخصوصيات الأطفال المصابين:
1- غياب التوجيه والإرشاد العلاجي في مستوى الرعاية الأولية والثانوية فعند شك الأهل في بعض مظاهر سلوك الطفل، أين يذهبون أولاً؟
وإذا ذهبوا إلى الرعاية الأولية فهل هو جاهز للقيام بمسح أولي ومن ثم الالتزام بخوارزمية معينة لا تترك الأهالي فريسة بيد قلق حاد يظل جاثمًا على الأسرة حتى وصولهم إلى مختص؟
وما المدى الزمني الذي يمكن الوصول خلاله للمختص الذي يمكن بموثوقية عالية إثبات أو نفي التشخيص ووضع إطار زمني لإعادة التقييم؟
وهنا إشارة ضمنية إلى تحد آخر ألا وهو نقص الكادر المؤهل للقيام بمهام المسح الأولي وبالتالي تعثر العمل نحو هدف مشروع ومهم ألا وهو التشخيص المبكر.
2- عدم وجود معرفة في أوساط العاملين في المنظومة الطبية بمن هم الأطباء المهتمون أو ذوو الخبرة والتدريب الذين يمكن الإحالة إليهم فيما يخص اضطراب طيف التوحد وبالتالي نجد تعثرًا في عملية الإحالة لإجراء المسح أو التقييم والتشخيص فضلاً عن التخطيط لبرامج التدخل والتأهيل.
3- عدم وجود نظام يسمح للتحويل من القطاع الخاص للحكومي فلماذا ليس هناك نظام يسمح لاستشاريي طب الأطفال العامين أو المتخصصين في الأعصاب وأطباء الأسرة للإحالة المباشرة للطب النفسي في القطاع الحكومي وتجاوز المرور على المركز الصحي ثم عيادات الأطفال في المستشفى العام ثم قسم الطب النفسي للأطفال؟ والهدف هو اختصار الزمن الذي يمر على الأسرة محملاً بالقلق والمشكلات المتنوعة.
4- غياب نظام يوضح قائمة أطباء أو مراكز تكون ENDORSED or ACCREDITED من وزارة الصحة أو مراكز اضطراب النمو والسلوك الحكومية وهذا يعطي الأهالي مرجعية لاختيار جهات موثوقة فنحن نرى الجانبين: أولاً: تهور في إطلاق التشخيص دون الالتزام بالتقييم المستفيض المبني على الأسس المهنية وكذلك ثانيًا تطمين وهمي يؤدي إلى تأخير التشخيص!
5- في ظل ندرة برامج التدخل الفعالة من جهة وإذا وجدت فهي مكلفة اقتصاديًا على الأهالي فلماذا لا يتم تأسيس مراكز تدريب الأهالي على مهارات التأهيل والتعديل السلوكي لتعويض الفجوة في منظومة الرعاية الطبية والتأهيل المهني فهناك دراسات تدل على أن ذلك يحقق ولو جزءًا من أهداف برامج التدخل المبكر ويمكن أن يستفيد من هذا التدريب الأهالي من الوالدين والإخوة والمعلمين والمعلمات في المدارس وفي الروضات والحضانات أيضًا. الله الله في الأسر التي ابتليت بتحديات نمائية لدى أطفالهم.



