13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

انتهى الاشتراك ومات أبوكم ومبروك عليكم المصاب

لا تزال تمر علينا في حياتنا اليومية مواقف تترك في القلب أثرًا وفي الذاكرة قصة، بعضها يعلّمنا الصبر، وبعضها يدرّسنا فن ضبط الأعصاب، وبعضها يجعلنا نتمنى لو أن هناك «زر إيقاف» لألسنة البعض قبل أن تتفوه بأي كلمة.

والمفارقة أن بعض هذه المواقف تأتي في الأوقات التي يفترض أن يسودها الصمت والوقار، لكنها بدل ذلك تكشف لنا عن طيف واسع من ردود الأفعال التي تتراوح بين الحكمة وما لا يوصف.

على مدى أكثر من ربع قرن في نشر أخبار الوفيات، ومواعيد التشييع، وأماكن العزاء، في أخبار «القطيف اليوم»، وقبلها في منصات أخرى، تراكمت لدينا حصيلة واسعة من المواقف الإنسانية المتباينة، منها ما يبعث على التأمل والحزن، ومنها ما ينطبق عليه قول القائل «المضحك المبكي»، وأخرى تختلط فيها المشاعر فلا تدري أتبكي أم تبتسم، لحظات غريبة من ردود أفعال أو تصرفات البعض، نحسن الظنّ في نواياهم بلا شك، وإن بدت لنا أحيانًا غريبة.

الله سبحانه يقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾، وهذه آية عظيمة تذكرنا أن الموت ما له موعد محدد في التقويم، ولا ينبهك برسالة، «موعدك غدًا الساعة 4:30 عصرًا احجز مقعدك».

لكن يا أحباب، في بعض الناس، أول ما نعلن خبر وفاة، يتصل فيك شخص مجهول (وهو غالبًا أحد أقرباء أقرباء الفقيد، أو حتى مجرد جار شافه مرة في العيد) ويسألك بكل ثقة «أنت متأكد إنه توفى».

هنا، يا أيها الأحبة، أتساءل بيني وبين نفسي «يعني بالله عليكم، هل في عاقل ممكن ينشر خبر وفاة من باب المزح»، تخيلوا الموقف فريق التحرير مجتمع يقول «يلا يا شباب، من نمزح معاه اليوم».

والأجمل (أو الأسوأ) هو اللي يعلّق «بس أمس شفته، كان يمشي، يضحك، وياكل قيمات، كيف مات»، طيب وبعدين، هل تتوقع لما شفته أمس، بيكون محصّن ضد الموت أسبوع كامل، يا جماعة الخير، هذا ما هو اشتراك في نادي رياضي فيه ضمان.

وإذا ما كفانا هذا، يجيك سؤال ثاني أغرب «شلون كانت ردة فعل أهله لما سمعوا الخبر»، هنا، والله، ما أعرف كيف أرد، هل يتوقعون إنهم كانوا يوزعون حلويات ويقولون «مبروك علينا جميعًا مات وارتحنا منه»، يا جماعة، الحزن حزن، والفقد فقد، وما في عائلة في الدنيا تستقبل خبر وفاة بابتسامة السيلفي.

اللي أبي أقوله، ترى لحظة الصدمة مو وقت أسئلة غريبة، ولا وقت تحليل «كيف مات» و«ليه مات»، و«متى حسّ إنه بيموت»، لحظة الصدمة وقت صبر، وستر، ودعاء، مو وقت إننا نثبت للناس إننا أول من عرف وأول من سأل.

فالنصيحة من القلب، قبل ما تسأل، فكّر، هل سؤالك بيواسي أهل الفقيد، ولا بيزيدهم ألم، وهل كلامك فيه دعاء بالرحمة، ولا هو مجرد فضول، لأن الفضول في هالمواقف ما هو حب معرفة، هو اختبار أعصاب، والناس عندها ما يكفيها.

والأهم من ذلك كله، أود أن أشير إلى أن هذا المقال ليس للتهكم أو السخرية، بل هو درس نحتاج أن نتعلمه جميعًا، وأولهم أنا، فمعظمنا مرّ بمثل هذه المواقف أو بما يشبهها، ومن الجميل أن نتواصى فيما بيننا بأسلوب راقٍ، فالتنبيه بلطف قد يجنبنا جميعًا تصرفات تزيد الألم بدل أن تخففه، ويجعل من الموقف فرصة للتراحم بدل أن يكون لحظة للحرج أو الاستياء.


error: المحتوي محمي