
روي عن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنه قال: (إن أخاك حقًّا من غفر زلّتك، وسدّ خلتك، وقبل عذرك، وستر عورتك، ونفى وجلك، وحقق أملك).
هذه المعايير الأميرية الحقّة للحب العميق الصادق الشفاف المستقر الدائم، وإلا فلا.
وما ينطبق على الأخ ينطبق على الأخت، والزوجة، والرحم، والصديق، والزميل، والجار، وسواهم.
المحبون -دائمًا- يغفرون أخطاء أحبابهم الواضحة فضلًا عن المشتبهة، ويذيبون الخلافات، ويمسحون الاختلافات، ويحملون السلوكيات والأقوال على سبعين محملًا من الخير من غير طلب ولا تكلّف، ويسعون جاهدين لترطيب القلوب وتنقيتها من الشوائب. كما أنهم -تلقائيًا- يقبلون العذر بمجرد سماعه، ويحفظون السر في مطلق الأحوال، ويسترون العيب ويرون أنفسهم جزءًا منه لأن المحبوب يسكن أرواحهم وأبدانهم، فضلًا عن أنهم ملهمو الأمن والأمان والسعادة، ويتعاملون برفق ولين وأدب عالٍ، وهم الذين يسعون بكل طاقاتهم لتحقيق أمانيك، ويرون نجاحاتك نجاحاتهم حقيقة لا اعتبارًا، وسعادتك سعادتهم، ولا يتبعون صدقاتهم بالمَنّ والأذى مهما كان، ولا يتخلّون عن أحبابهم في الأزمات أو المواقف، كما أنهم مأمونو الضرر في الاختلافات والنهايات تمامًا بحيث يدخلون بسلام ويخرجون بسلام عندما يكون للقدر رأي آخر، وهم أبرياء من الجحود أو العناد أو الانتقام براءة الذئب من دم يوسف -عليه السلام-.
أما الذين يصطادون الزلة، ويشيعون الخلّة، أو يتحدثون في الخلف، أو يؤذونك بسوء الظن، أو سوء التشخيص، أو سوء التقدير، أو لا يقبلون عذرك، أو لا يتفهمون تبريرك، أو يصطادون زلتك، أو يعظّمون فعلك أو قولك، أو يكدرون صفوك، أو تخشى تفسيراتهم أو تأويلاتهم للمواقف أو الظروف أو الأحداث؛ فعلاقتهم القلبية بك سطحية ولم تبلغ الأعماق حتى وإن كان غلافها الحب اليوسفي.
أنا -شخصيًا- أقف حائرًا من الذين يدّعون الحب وهم ينالون من أحبابهم بغيابهم تحت أي ذريعة أو مبرر، وأكون أشدّ حيرة من الذين يؤولون سلوكيات الحبيب أو أقواله على محمل الخطأ من دون بيّنات.
إنهم يُسقِطون لبنات أفكارهم الخاطئة على المحبوب، ثم يُسلّمون بصحتها، ثم يبنون عليها حكمًا، فقرارًا، فأثرًا. وما أكثرهم هذه الأيام؟!
المحبّة الصادقة -عادة- تحول دون أذى المحبوب بكل الصور وفي كل الأوقات، وتحجب التعدّي أو الخطأ أو التجاوز، وتغرس بذور حدائق من نور في القلوب تصبح أشجارًا وارفة الظلال فيما بعد.
المحبّة سلام داخلي بين القلوب، وعطاء مطلق، ورحمة، ورقّة، ونُبل، وتأدّب، واحترام، وفهم، وتفهّم، واهتمام، وتقدير، وتبرير، وتغافل، ودعاء، وستر، وتسامح، ومغفرة، وامتثال، وسعادة، وأمن، وأمان؛ ولو بدرجات متفاوتة.
يلعب التشابه الفكري والروحي والقيمي دورًا محوريًا في العلاقات الإنسانية؛ فالمتشابهون -عادة- أكثر انسجامًا وحبًا وفهمًا وتفهمًا وسعادة وديمومة.
المختلفون سيختلفون ولو بعد حين مهما سعوا أو بذلوا، وقد يتفارقون. الأشخاص الذين يهوَون الأضواء والبروز أو التسلّط أو القوة أو إثبات الذات لا ينسجمون مع الذين يخشَون ذلك، وعلى ذلك فقِس ما سواها. بل إن الذين يسعون لتغيير أنفسهم من أجل المحبوب وقيمه الفاضلة -عادة- يعودون حيث كانوا بعد أي اختلاف، فضلًا عن أي خلاف.
وعليه، فالتشابه الفكري والانسجام والتآلف الروحي والقلبي له دور حقيقي ومحوري في حياة المحبين.
إن تغيير منظومة الأخلاق أو التربية أو بعضها أو بعض بعضها أمرٌ وارد في سبيل المحبوب، ونجح في بعض الحالات، بل إن بعض الحب أدّى إلى تغيير الدين وهو الانتقال الأصعب والفداء الأعظم من أجل المحبوب؛ ولكن هذه الحالات الصادقة التي حملت قداسة الحب وتجلياته قليلة، وإلا فأغلب الذين تخلّوا عن الحرية أو الحلية لارتباطهم بالمحبوب عادوا لما كانوا فيه بعد مدة من الزمن تختلف باختلاف العلاقة.
وعليه؛ فاختيارك من يشبهك ويحبك -معًا- يختصر عليك المسافات، ويؤمّن المسير.