
يكللنا دعاء الأمهات دائمًا، غير أن بعض الأدعية تلازمنا العمر كله، ربما لأنها تؤطر حكاية تحفر في الذاكرة، وتكتب تاريخًا لحدثٍ لا يمكن نسيانه، كحكاية برٍ موصولة بـ"كلية"، تجاوزت فيها الشابة إيمان عبد الله آل سواد عقبات عدم التطابق، لتنقذ حياة والدتها الحاجة خيرية محمد الحلال، عن طريق التبرع بالتبادل.
تلك الحكاية التي لم نبدأ تفاصيلها بعد، كان ختامها دعاء صادق من قلب أمٍ وجدت حصاد تربيتها تغرس من جديد في جسدها، فاختصرت رضاها عن ابنتها وهي ترفع كفيها وتردد: "ربي يحفظها ويرزقها خيرًا مما أعطتني".
حكاية تبدأ بالوراثة
في حكاية خيرية محمد الحلال، لعبت الوراثة دورها في إصابتها بالفشل الكلوي، فيمكننا القول أن البداية كانت بلا موعد، تحكي قصتها قائلة: "بدأ الفشل معي بإصابتي بتكيسات في الكلى، وهذا أمر شائع عند الأقارب، فقد أصيب به جدي ثم عمتي وكذلك والدي واثنان من أعمامي؛ منهم من خضع لعملية زراعة كلية، ومنهم من اختاره الله تعالى لجواره قبل أن يحالفه الحظ في العلاج، كما أنني مصابة بفقر الدم المنجلي "السكلسل"، وكثرة نقل الدم لي تسبب في استئصال الطحال والمرارة، وبعدها الزائدة الدودية".
فشل وغسيل
بعد هذا كله تطور الوضع ووصلت "الحلال" للفشل الكلوي مما أخضعها لجلسات الغسيل، فأصبحت تغسل 3 أيام في الأسبوع لمدة شهر ونصف، ثم مرتين في الأسبوع.
لم يهزمها
لم تستسلم "الحلال" لمرضها، وتحدته في أن يخربش حياتها أو يترك آثاره المشوهة على صفحات أيامها، فقد كانت أقوى من أن تسمح له بأن يقعدها عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
تقول ابنتها إيمان: "لله الحمد، فقد لطف رب العالمين بها، حيث كانت تقوم بأعمال البيت حتى وإن كانت مرهقة، كما أن حالتها النفسية كانت قوية وإن انتابها القلق، إلا أنها كانت مفوضة أمرها لله تعالى".
العائلة تطبب أوجاعها
ومع أن الحاجة خيرية حاولت أن تتحدى تعبها، فإن عائلتها لم تقف موقف المتفرج أمام تعبها، فقرروا أن ينهوا تلك المعاناة بالتبرع لها بكلية أحدهم، وكان أول من تقدم للتبرع أختها.
تحكي "آل سواد" تفاصيل التبرع لوالدتها قائلة: "أول من قام بالإجراءات كانت خالتي، وقد ذهبت خفيةً عنا ولم تخبر أحدًا، فقد كانت تريد أن تتأكد من النتائج الأولى، وعندما تمت بحمد الله استكملتها مع أمي إلى أن وصلتا إلى مرحلة الأشعة، حينها شاء الله أن تعلم بحملها، وقد أحزنها ذلك كثيرًا".
وتضيف: "بعدها قررت أختي وهي الابنة الثانية أن تقوم بالفحوصات الأولى وقد تم رفضها لأن النتائج لم تكن متطابقة من البداية، بعدها فكر أكثر من شخص في العائلة أن يقوموا بالتبرع -جزاهم الله خيرًا- لكن رغباتهم لم تتوج بالتوافق".
الفوز لـ فرحتها الأولى
إيمان هي الفرحة الأولى للحاجة خيرية بين 5 أخوات وأخ، لذلك ربطتها بوالدتها علاقة خاصة، فهما كانتا كأختين أو صديقتين، تصف إيمان تلك العلاقة: "ليس بيننا حواجز، فقط الاحترام والتقدير، كما أنني وأمي متقاربتان في الأفكار والمشاعر".
ولأنها الأقرب لوالدتها فقد فكرت في التبرع لها منذ البداية، لكن فكرة التبرع لم تتجاوز ساحة بنات أفكارها، بعد أن سبقتها خالتها وأختها وبعض أفراد العائلة للفحوصات، لكن إرادة الله شاءت أن تكون هي المتبرع لوالدتها.
تقول: "عندها بدأت بالإجراءات رغم معارضة أمي للفكرة، وكانت تعزو ذلك لكثرة مرضي، ولست أنا فقط من عارضت مسألة تبرعي، فقد كانت مبادرة أختي الثانية أيضًا مصطدمة بعدم موافقتها، فهي في بداية الأمر لم ترد أن يتبرع لها أحد من منا".
عام من الإجراءات والخلاص في التبادل
عام كامل أمضته إيمان وهي تخضع للفحوصات والتحاليل والإجراءات المختلفة التي تحتاجها عملية التبرع، لكنها فوجئت بخبر جعلها تتخذ قرارًا جديدًا لإنقاذ والدتها.
تقول: "لم أفكر في التبرع سابقَا، لكن مشاعري كابنة هي من دفعتني لذلك، ومع ذلك شاءت إرادة الله أن أتبرع لغير والدتي، فقد كانت فحوصاتي سليمة ومناسبة للتبرع، لكنني غير مطابقة لها تمامًا، عندها قابلني الطبيب وشرح لي بما أنني أريد التبرع فلما لا أقوم بعملية التبادل، موضحًا أننا بهذه الطريقة من الممكن أن نسرع العثور على من يتطابق مع أمي.
وتضيف: "والحمد لله هناك من تطابقت كليته مع أمي وتطابقت كليتي مع من يرغب في التبرع له".
سلامة ووسام
بعدها وجدت خيرية نفسها وهي على سرير مختلف، فهذا السرير لم يسمع أنات أوجاع الغسيل التي عهدها منها طوال 6 أشهر، بل كان محاطًا بدعائها أن تخرج ابنتها بكامل سلامتها حتى قبل دعائها لنفسها بالخلاص من الألم، وقد كان لها ما دعت، بعد أن غادرتا المستشفى وهما في تمام الصحة والعافية.
وقبل أشهر، وجدت الشابة "آل سواد" اسمها ضمن قائمة المكرمين بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة، ضمن عدد من المتبرعين بأعضائهم.
قرب أكثر
عن شعورها بعد العملية، عنونت إيمان تلك المشاعر بكلمتي: "سعادة لا توصف"، مضيفةً: "في كل مرة أرى فيها أمي بخير وصحة أشكر الله وأحمده على توفيقه، وعلى أنه قربني منها أكثر بالجسد والروح".
خوف وطمأنينة
تختصر "الحلال" مشاعرها تجاه مبادرة ابنتها بالتبرع بجملة "الخوف ثم الطمأنينة.. والفخر"، تسرد تلك المشاعر قائلة: "منذ قررت ابنتي التبرع انتابني الخوف عليها كثيرًا، وقلقت على صحتها، لكنني لما فوضت الأمر لله انتابني شعور الطمأنينة".
وتضيف: "بعد إجراء العملية بمجرد اطمئناني على سلامتها وأنها بخير انزاح الخوف عن قلبي، فأنا كنت مؤمنة بأن الله تعالى لا يضيع عمل عامل وأنه سيلطف بحالها وكلما رأيتها بخير زاد شعوري بالفخر أنني أنجبت ابنة صالحة والجميع يهنئني عليها".