اللذّة ما تحتاج تعريف، ولا كتب تشرحها. اللذّة تُحسّ… لحظة تمر، وتخليك تبتسم بدون ما تدري.
تجي فجأة، في ضحكة ما توقعتها، في كلمة “اشتقت لك” وسط يوم ممل، أو حتى في طبطبة على كتفك تقول لك: ترى أنا معك.
مرّة عرفت رجل بسيط، اسمه “سعيد”. ما كان غني، ولا حياته مترفة، لكنه كان يعرف يلقط الفرح من أماكن ما ينتبه ليها أحد.
يشتغل في قسم الشكاوى، اللي دايمًا مليان وجوه متضايقة وكلام ثقيل. ومع كذا، كان يجي كل صباح ووجهه هادي، وعينه تقول: “أنا راضي”.
كل يوم الساعة تسعة، يبدأ طقسه: خبز، جبن، زيتون، وشويّة شكلاطه. يفتح أكله كأنه يفتح هدية، ويأكل على مهل، كأنه يتذوق الدنيا لقمة لقمة.
مره شفته يغمض عيونه مع أول لقمة، ويبتسم كأنه تذكّر شي حلو. ما كان يأكل… كان يعيش.
وقتها عرفت إن اللذّة ما تجي في المناسبات بس، ولا في المطاعم الفخمة… اللذّة تجي فجأة، في تفاصيل صغيرة، نادرة، ما لها موعد:
– في هدية من شخص تذكّرك بدون سبب
– في اتصال وقت المغرب من شخص له عندك معزّة
– في “أحبك” تنقال ما كنت تتوقعها.
– في ضحكة تطلع منك بدون ما تدري ليش.
اللذّة الحقيقية تجي كذا… بدون ترتيب، بدون تخطيط وبدون موعد.
تمشي على أطراف أصابعها، وتدخل قلبك بلُطف، وتخلّي يومك مختلف.
ناس واجد يربطون اللذّة بالسفر أو الفخامة أو الأشياء الكبيرة، لكن “سعيد” علّمني إن اللذّة ممكن تكون في كوب شاي وقت المغرب، أو حضن هادي من شخص تحبه وتشتاقه، أو حتى في صوت مطر ينزل مرّة وحده وانت جالس ساكت.
اللذّة مو رفاهية، اللذّة مو ملك الأغنياء بس. هي إحساس، وفن. فن إنك تعرف تفرح، وتلاحظ وتشوف، وتعيش اللحظة.
سعيد كان دايمًا يقول: “أجمل اللحظات، هي اللي ما نخطط ليها.”
ولما سألته عن أسعد لحظة مرت عليه، قال: “كانت حفيدتي ترسل لي تسجيل، تقول فيه: تيتو، أحبك… وتسكت. بس كذا. حسيت إن الدنيا كلها صارت في هالصوت.”
ويش تبغى أكثر؟ كلمة وحدة، من صوت تحبه، تغيّر كل شي.
مو لازم شي كبير عشان نعيش اللذّة… أحيانًا كاسة شاي أو فنجال قهوة، شخص يفهمك، أو حتى جلسة ساكتة مع اللي ترتاح له، تكفي.
مو في الهدايا الثمينة، ممكن في الهدايا اللي تجي لأن أحدهم تذكرك فجأة.
مو في السفر الطويل، لكن في منهو تسافر ليه، مو وياه.
اللذّة؟ هي لمّا تحس أن الدنيا، ولو للحظة… حلوة مررررة.
“اللذّة”… ما تطلب إذن، تراها من تجي، تجي وتخلي الدنيا أطيب وأحلى".



