
الموتُ رحلةٌ مفاجئة تفاجئنا دون أن نستعدّ لها، ورحيلٌ ليس بعده رجعة، بل هو حتمي على كل الكائنات الموجودة في هذا الكون. لكن رحيل الإنسان أصعب الموجودات، فكيف برحيل الأحبة وفراقهم؟
بالأمس، يوم الأحد، حوالي الساعة السادسة إلا عشر دقائق مساءً، عندما انتهيت من عمل المطبخ جلست أتصفح الجوال، وإذا برسالة من أخي عبدالإله، الذي هو في العراق، يقول فيها: “أم حسن، عظم الله لكِ… توفّت أم نازك.”
تركتُ الجوال، وأخذت أبكي بحرقة. جاء ابن أخي عباس وقال لي:
“ويش فيش عمتي؟”
قلت له من وسط دموعي: “أم نازك ماتت.”
وقف لحظة صمت وذهب.
فقلت: ويلي على أمها وأمي… فقد عاد المشهد يوم رحيل أمي.
ورجعت أمسك الجوال، وإذا بأختي فتحية ترسل: “راحت أمي قبل عيد الفطر بكم يوم، والحين أم نازك قبل عيد الأضحى بكم يوم.” فزاد بكائي.
وقلت في نفسي: نازك (أم عبدالله)… هل رحيلهم المتشابه عنوان وفاء الصداقة التي امتدت ما يقارب ثلاثة وأربعين سنة؟ فأيّ الذكريات أبدأ؟ كلها جميلة… لكن الآن أصبحت موجعة.
آه يا أم محمد، رحيلك جدّد حزني وألمي عليّ، فكيف ببناتك؟ وما حالهم بعدك؟ لي معكم ذكريات لا تُنسى، وإن ابتعدنا بأجسادنا، لكن أرواحنا قريبة.
ولست أبكي على الموت، فهو حق لا بد منه، نحن نبكي على العِشرة.
في بداية الثمانينات بدأت صداقتي مع نازك، عندما تزاملنا في نفس الصف، فصار طريقي إلى بيتهم شبه يومي. حتى بعض الأوقات نخرج من المدرسة القريبة من بيتنا، وأذهب معها إلى بيتهم في “الديرة”، وأنا حاملة شنطتي معي دون أن أضعها في البيت، بل أصبحت ملازمة لبيتهم.
شاركت نازك ثلاث الوجبات، من الفطور إلى العشاء، وإن كانت أوقات قليلة، حتى أمي -رحمها الله- كانت تقول لي:
“ناقصش تنامين في بيتهم!” ومع ذلك، لم تمنعني من الذهاب لهم، وكانت تقول: “بيتهم أغلبهم بنات من سنش، وإني آمنة عليش عدهم.” وهذا شجعني على الاستمرار في الذهاب لهم، ولم أنقطع حتى بعد أن تزوجت نازك، لم أنقطع عنهم إلا بعد انتقالهم لـ”دخل المحدود”.
ذهبت مرة في مناسبة، وهي زواج تحية، ومرتين عندما استقروا في الربيعية. لكن ظللت على اتصال مع نازك وأسمع أخبارهم منها.
وفي مرة من المرات كنت أصوّر “الديرة” كعادتي، وأنزل فيديوهات مع شرح للأماكن. ذات مرة مررت على بيتهم، وقفت أطرق الباب وأنا أبكي، وقلت: لي “هنا كانت الذكريات الحلوة، لكن اليوم أصبح البيت خالي.”
والآن، أيامي أصبحت خالية من دون الكل، خصوصًا أمي… آه والف آه يا أمي.
في أغلب الليالي أنتظر أمي تأتي كي تفتح باب غرفتها كعادتها، لكن النعاس يغالبني، فأنام بدموعي ووحشة البيت عليّ.
وأتذكّر قولها: “أتمنى تحلقي بي ولا تعيشي لوحدش.”
أماه، عشت لوحدي، والله أعلم متى الرحيل… لكِ أمي؟…
فرحمة الله عليكم: أمي، وأبي، وأم محمد، وجميع الأموات. إنه سميع الدعوات.
وشكرًا لكم أخوتي: عبدالعظيم، وباقي إخوتي، وبنت عمي، وزوجة أخي بشرى، لمواساتكم لي.
وعظم الله أجوركم أخواتي وإخواني.
صديقتي: (نازك).