
انتشرت مؤخرًا مادة مصممة بشكل جذاب بعنوان «أصل تسمية مناطق القطيف»، تحمل ملاحظة حول تحول اسم «السويجة أو السويچة» إلى «الشويكة»، وتذهب إلى تفسير هذا التغير بناءً على ظن لغوي دارج، مفاده أن بعض العامة قلبوا الجيم كافًا، فصار الاسم «الشويكة».
ورغم أن الطرح يبدو طريفًا ومقدّمًا بحسن نية، إلا أنه يحمل عددًا من الإشكالات العلمية واللغوية والتاريخية الجادة التي تستدعي التصويب، لما لهذا النوع من المنشورات من أثر على إيصال المعلومة الصحيحة إلى الأجيال القادمة، وعلى صورة تاريخ المنطقة في الذاكرة المتناقلة.
أولًا – من حيث اللغة واللهجة القطيفية
1 – الشويكة تُنطق عند البعض في اللهجة الدارجة «السويچة»، وليس «السويجة»، فلا يوجد أحد ينطقها بالجيم نهائيًا.
تعود هذه الملاحظة إلى الواقع الشفهي للمنطقة، حيث يُلاحظ أن بعض سكان القطيف، عند نطقهم المحلي لاسم «الشويكة»، يُحورونه صوتيًا إلى «السويچة» (بـ الـ چ، أي الجيم المعجمة)، وليس إلى «السويجة» بالجيم العربية، وهذا النطق الشائع مستقر ومعروف، وهو ما ينسف الفرضية التي تفترض وجود أصل «سويجة» بالجيم ومن ثم تحوّله إلى «الشويكة»، فما دام الاسم لم يُنطق بالجيم أصلًا، فلا يصح منطقيًا افتراض تحوّله منها.
2 – نطق حرف الكاف (ك) على هيئة (چ)، أي كاف معجمة بثلاث نقاط.
وهذا أمر شائع جدًا في القطيف والخليج والعراق ودول أخرى مجاورة، وليس العكس، ومن المعروف في اللهجات الخليجية والعراقية، أن هناك ظاهرة صوتية واسعة الانتشار تُعرف بـ«تعجيم الكاف»، حيث يُنطق حرف الكاف على صورة «چ»، وهذه الظاهرة تُستخدم عادةً في كلمات ذات أصول أعجمية، أو في كلمات عربية خضعت للتغيير الصوتي المحلي، مثل «چاي» (شاي)، «بكم سعر هذا» (بچم سعر هذا)، وبالتالي، فإن القول بأن العامة في القطيف قلبوا الجيم إلى كاف يتعارض مع النمط الصوتي المعروف، لأن الشائع هو تعجيم الكاف، لا قلب الجيم إلى كاف.
3 – قلب الشين إلى سين هو أمر موجود في لهجة القطيف، لذلك نجد بعضهم يقولون «سجاع» بدل «شجاع»، و«سجر أسجار» بدل «شجر أشجار».
وظاهرة «قلب الحروف»، معروفة في لهجة القطيف، ومنها هذا التحول من الشين إلى السين، لا العكس، مما يعزز أن التحولات الصوتية في لهجتنا تسير في اتجاهات محددة ومعروفة، وليست عشوائية، وهو ما نجده أيضًا في اللغة العربية القديمة، فمثلًا «موسى» أصلها «موشي» (تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل).، ومن هذا المنطلق، فإن افتراض تحول الجيم إلى كاف يُعد خروجًا عن المألوف اللهجي، ويستلزم أدلة استثنائية تدعمه، وهو ما لا يتوفر.
4 – لا يوجد في لهجتنا في القطيف قلب الجيم إلى كاف.
من خلال تتبّع المأثور اللهجي في القطيف عبر الكلام اليومي والمرويات الشعبية، لا توجد حالات معروفة أو موثقة تُظهر تحوّل حرف الجيم إلى كاف، سواء في الكلمات المتداولة أو في أسماء المواقع، هذه المعلومة تُعدّ قاعدية، لأنها تنفي أساس الفرضية التي تطرحها المادة المتداولة حول اسم «الشويكة».
5 – ولو افترضنا بأن المقصود قلب حرف (چ) العجمية إلى (ك)، فحرف (چ) أصلًا ليس من الحروف العربية حتى يكون من حروف لهجتنا العربية ونقلبه إلى (ك).
حرف «چ» هو حرف أعجمي لا وجود له في الأبجدية العربية الفصحى، ولكنه مستخدم في لهجات محلية، ومنها لهجة القطيف، لأداء صوت غير موجود في العربية، ولذا، فإن قلب هذا الحرف إلى «ك» لا يُعد تحولًا لغويًا، بل تعريبًا أو تسهيلًا في بعض الحالات، أما اللهجة القطيفية بحد ذاتها، فلا تتضمن عرفًا صوتيًا أو نمطًا تحويريًا يُلزم بقلب «چ» إلى «ك»، مما يجعل مثل هذا الافتراض بعيدًا عن الواقع اللغوي.
ثانيًا – من حيث التاريخ والتوثيق
1 – اسم «الشويكة» ثابت في الوثائق الرسمية وغيرها منذ مئات السنين، ومنها وثيقة «قانون نامه» العثمانية سنة 959هـ (أي قبل أكثر من 500 عام)، والتي ذكرت الشويكة كقرية جنوب قلعة القطيف.
2 – لا توجد أي وثيقة رسمية أو شرعية أو وقف أو صك أو عقد بيع أو حيازة أو ذكر في كتب الرجال والتاريخ تشير إلى اسم «السويچة» أو «السويجة» إطلاقًا.
3 – العلماء الذين حملوا لقب «الشويكي» عبر القرون لم يُنسبوا إلا إلى اسم «الشويكة» حصريًا، ومنهم:
أ – الشيخ موسى بن محمد الشويكي (حي سنة 947هـ)
ب – الشيخ عبد الله بن محمد الشويكي (1150هـ)
ج – الشيخ عبدعلي الشويكي (1230هـ)
ثالثًا – من حيث المنهجية البحثية
أ – من المهم التمييز بين التحليل الأكاديمي والاجتهاد الظني، فطرح فرضيات لغوية أو تأريخية دون سند علمي أو وثائقي لا يصب في مصلحة التوثيق، بل قد يُشكل تزييفًا غير مقصود للتاريخ.
ب – حين تنتشر هذه المواد على شكل منشورات مرئية جذابة، وتُحفظ في الأرشيف الرقمي، قد يُعتمد عليها لاحقًا كمصادر، رغم أنها لم تمر بأي تحقيق علمي أو تأريخي.
ج – وهذا ما يجعلنا نُطالب بعدم الخلط بين العمل الفني والتصميمي من جهة، والبحث التاريخي من جهة أخرى.
رابعًا – ضرورة تحري الدقة في التناول الإعلامي
أ – في حالات عديدة، يُستضاف في الإعلام من لا يمتلكون الخلفية التاريخية الكافية للحديث عن مناطق أو أحداث، وقد حصل ذلك مع فنان تشكيلي تحدث عن جزيرة تاروت عبر فضائية يشاهدها الملايين، وأدلى بمعلومات خاطئة كليًا، مما يُساهم في ترسيخ أخطاء في أذهان المتلقين.
ب – وكذلك، هناك مواد إعلامية صادرة عن مصورين أو نشطاء، مع كامل الاحترام لهم، وقعوا في أخطاء فادحة عند التطرق لتأريخ الأحياء أو المواقع، مما أسهم في ترسيخ مفاهيم مغلوطة بين المتلقين.
«الشويكة»
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال لم يكن هذا المنشور وحده، بل سبقته مقالات ومنشورات أخرى تناولت الشويكة تحديدًا، أو مناطق من القطيف عمومًا، بمعلومات تاريخية مغلوطة وغير موثقة، مما يُثير القلق على صورة تراث هذه المنطقة العريقة وطرق نقله إلى الأجيال القادمة.
وليس الغرض من هذا المقال الدفاع عن قرية واحدة بعينها، بل التنبيه إلى أهمية تحري الدقة عند تناول التاريخ، خاصة حين يتعلق الأمر بمناطق ارتبطت بذاكرة الناس، وتاريخها لا يزال ماثلًا في الوثائق والمرويات.
الشويكة هي قرية تاريخية تقع جنوب قلعة القطيف، وقد تحوّلت بفعل التمدد العمراني إلى حي معروف، وما تزال تحمل اسمها الأصلي في الوثائق والمجتمع.
وكانت الشويكة مركزًا علميًا نشطًا في حقبات تاريخية، ومنها القرن العاشر الهجري، وخرج منها أعلام في الفقه والأدب والتأليف، من بينهم علماء ارتبط اسمهم باسمها، وخلّدوا حضورها في المخطوطات وسجلات الإجازات.
وكلي أمل من كل من يتصدى للحديث عن تاريخ القطيف أو تسميات أحيائها أن يتحرّى الدقة، ويعتمد على الوثائق والمصادر المؤكدة، لا على الظنون أو الاجتهادات الشخصية أو التحليلات السطحية.
فأمانة الكلمة تقتضي منا أن نحفظ تاريخ هذا الوطن بما يليق به، ونعيد الاعتبار لكل بقعة في هذه الأرض عبر التحقيق لا التزييف دون قصد، والتوثيق لا الظن.
ورغم أن الطرح يبدو طريفًا ومقدّمًا بحسن نية، إلا أنه يحمل عددًا من الإشكالات العلمية واللغوية والتاريخية الجادة التي تستدعي التصويب، لما لهذا النوع من المنشورات من أثر على إيصال المعلومة الصحيحة إلى الأجيال القادمة، وعلى صورة تاريخ المنطقة في الذاكرة المتناقلة.
أولًا – من حيث اللغة واللهجة القطيفية
1 – الشويكة تُنطق عند البعض في اللهجة الدارجة «السويچة»، وليس «السويجة»، فلا يوجد أحد ينطقها بالجيم نهائيًا.
تعود هذه الملاحظة إلى الواقع الشفهي للمنطقة، حيث يُلاحظ أن بعض سكان القطيف، عند نطقهم المحلي لاسم «الشويكة»، يُحورونه صوتيًا إلى «السويچة» (بـ الـ چ، أي الجيم المعجمة)، وليس إلى «السويجة» بالجيم العربية، وهذا النطق الشائع مستقر ومعروف، وهو ما ينسف الفرضية التي تفترض وجود أصل «سويجة» بالجيم ومن ثم تحوّله إلى «الشويكة»، فما دام الاسم لم يُنطق بالجيم أصلًا، فلا يصح منطقيًا افتراض تحوّله منها.
2 – نطق حرف الكاف (ك) على هيئة (چ)، أي كاف معجمة بثلاث نقاط.
وهذا أمر شائع جدًا في القطيف والخليج والعراق ودول أخرى مجاورة، وليس العكس، ومن المعروف في اللهجات الخليجية والعراقية، أن هناك ظاهرة صوتية واسعة الانتشار تُعرف بـ«تعجيم الكاف»، حيث يُنطق حرف الكاف على صورة «چ»، وهذه الظاهرة تُستخدم عادةً في كلمات ذات أصول أعجمية، أو في كلمات عربية خضعت للتغيير الصوتي المحلي، مثل «چاي» (شاي)، «بكم سعر هذا» (بچم سعر هذا)، وبالتالي، فإن القول بأن العامة في القطيف قلبوا الجيم إلى كاف يتعارض مع النمط الصوتي المعروف، لأن الشائع هو تعجيم الكاف، لا قلب الجيم إلى كاف.
3 – قلب الشين إلى سين هو أمر موجود في لهجة القطيف، لذلك نجد بعضهم يقولون «سجاع» بدل «شجاع»، و«سجر أسجار» بدل «شجر أشجار».
وظاهرة «قلب الحروف»، معروفة في لهجة القطيف، ومنها هذا التحول من الشين إلى السين، لا العكس، مما يعزز أن التحولات الصوتية في لهجتنا تسير في اتجاهات محددة ومعروفة، وليست عشوائية، وهو ما نجده أيضًا في اللغة العربية القديمة، فمثلًا «موسى» أصلها «موشي» (تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل).، ومن هذا المنطلق، فإن افتراض تحول الجيم إلى كاف يُعد خروجًا عن المألوف اللهجي، ويستلزم أدلة استثنائية تدعمه، وهو ما لا يتوفر.
4 – لا يوجد في لهجتنا في القطيف قلب الجيم إلى كاف.
من خلال تتبّع المأثور اللهجي في القطيف عبر الكلام اليومي والمرويات الشعبية، لا توجد حالات معروفة أو موثقة تُظهر تحوّل حرف الجيم إلى كاف، سواء في الكلمات المتداولة أو في أسماء المواقع، هذه المعلومة تُعدّ قاعدية، لأنها تنفي أساس الفرضية التي تطرحها المادة المتداولة حول اسم «الشويكة».
5 – ولو افترضنا بأن المقصود قلب حرف (چ) العجمية إلى (ك)، فحرف (چ) أصلًا ليس من الحروف العربية حتى يكون من حروف لهجتنا العربية ونقلبه إلى (ك).
حرف «چ» هو حرف أعجمي لا وجود له في الأبجدية العربية الفصحى، ولكنه مستخدم في لهجات محلية، ومنها لهجة القطيف، لأداء صوت غير موجود في العربية، ولذا، فإن قلب هذا الحرف إلى «ك» لا يُعد تحولًا لغويًا، بل تعريبًا أو تسهيلًا في بعض الحالات، أما اللهجة القطيفية بحد ذاتها، فلا تتضمن عرفًا صوتيًا أو نمطًا تحويريًا يُلزم بقلب «چ» إلى «ك»، مما يجعل مثل هذا الافتراض بعيدًا عن الواقع اللغوي.
ثانيًا – من حيث التاريخ والتوثيق
1 – اسم «الشويكة» ثابت في الوثائق الرسمية وغيرها منذ مئات السنين، ومنها وثيقة «قانون نامه» العثمانية سنة 959هـ (أي قبل أكثر من 500 عام)، والتي ذكرت الشويكة كقرية جنوب قلعة القطيف.
2 – لا توجد أي وثيقة رسمية أو شرعية أو وقف أو صك أو عقد بيع أو حيازة أو ذكر في كتب الرجال والتاريخ تشير إلى اسم «السويچة» أو «السويجة» إطلاقًا.
3 – العلماء الذين حملوا لقب «الشويكي» عبر القرون لم يُنسبوا إلا إلى اسم «الشويكة» حصريًا، ومنهم:
أ – الشيخ موسى بن محمد الشويكي (حي سنة 947هـ)
ب – الشيخ عبد الله بن محمد الشويكي (1150هـ)
ج – الشيخ عبدعلي الشويكي (1230هـ)
ثالثًا – من حيث المنهجية البحثية
أ – من المهم التمييز بين التحليل الأكاديمي والاجتهاد الظني، فطرح فرضيات لغوية أو تأريخية دون سند علمي أو وثائقي لا يصب في مصلحة التوثيق، بل قد يُشكل تزييفًا غير مقصود للتاريخ.
ب – حين تنتشر هذه المواد على شكل منشورات مرئية جذابة، وتُحفظ في الأرشيف الرقمي، قد يُعتمد عليها لاحقًا كمصادر، رغم أنها لم تمر بأي تحقيق علمي أو تأريخي.
ج – وهذا ما يجعلنا نُطالب بعدم الخلط بين العمل الفني والتصميمي من جهة، والبحث التاريخي من جهة أخرى.
رابعًا – ضرورة تحري الدقة في التناول الإعلامي
أ – في حالات عديدة، يُستضاف في الإعلام من لا يمتلكون الخلفية التاريخية الكافية للحديث عن مناطق أو أحداث، وقد حصل ذلك مع فنان تشكيلي تحدث عن جزيرة تاروت عبر فضائية يشاهدها الملايين، وأدلى بمعلومات خاطئة كليًا، مما يُساهم في ترسيخ أخطاء في أذهان المتلقين.
ب – وكذلك، هناك مواد إعلامية صادرة عن مصورين أو نشطاء، مع كامل الاحترام لهم، وقعوا في أخطاء فادحة عند التطرق لتأريخ الأحياء أو المواقع، مما أسهم في ترسيخ مفاهيم مغلوطة بين المتلقين.
«الشويكة»
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال لم يكن هذا المنشور وحده، بل سبقته مقالات ومنشورات أخرى تناولت الشويكة تحديدًا، أو مناطق من القطيف عمومًا، بمعلومات تاريخية مغلوطة وغير موثقة، مما يُثير القلق على صورة تراث هذه المنطقة العريقة وطرق نقله إلى الأجيال القادمة.
وليس الغرض من هذا المقال الدفاع عن قرية واحدة بعينها، بل التنبيه إلى أهمية تحري الدقة عند تناول التاريخ، خاصة حين يتعلق الأمر بمناطق ارتبطت بذاكرة الناس، وتاريخها لا يزال ماثلًا في الوثائق والمرويات.
الشويكة هي قرية تاريخية تقع جنوب قلعة القطيف، وقد تحوّلت بفعل التمدد العمراني إلى حي معروف، وما تزال تحمل اسمها الأصلي في الوثائق والمجتمع.
وكانت الشويكة مركزًا علميًا نشطًا في حقبات تاريخية، ومنها القرن العاشر الهجري، وخرج منها أعلام في الفقه والأدب والتأليف، من بينهم علماء ارتبط اسمهم باسمها، وخلّدوا حضورها في المخطوطات وسجلات الإجازات.
وكلي أمل من كل من يتصدى للحديث عن تاريخ القطيف أو تسميات أحيائها أن يتحرّى الدقة، ويعتمد على الوثائق والمصادر المؤكدة، لا على الظنون أو الاجتهادات الشخصية أو التحليلات السطحية.
فأمانة الكلمة تقتضي منا أن نحفظ تاريخ هذا الوطن بما يليق به، ونعيد الاعتبار لكل بقعة في هذه الأرض عبر التحقيق لا التزييف دون قصد، والتوثيق لا الظن.