13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

إضاءة بسيطة على الشعر الوجداني والعاطفي عند السومريين: (أنهيدو-أنّا أو أنخيدو-أنّا) أنموذجًا

إن شعر أنهيدو-أنّا أو أنخيدو-أنّا السومرية، ابنة الملك سرجون الأكدي (حوالي 2300–2225 قبل الميلاد)، يعد من أقدم ما وصلنا من الشعر الوجداني في الحضارات القديمة. ومعنى اسمها “الكاهن أو الكاهنة الأعلى”، و”هيدو” تعني الزينة أو الحُلة، فيكون معناها الكامل “زينة الكاهن الأعلى للإله آن”، وهو اسم يشير إلى الإله نانا (سين) إله القمر.

سواء كان شعرها حقيقيًا كما يرى الدكتور خزعل الماجدي، الباحث في تاريخ الأديان والحضارات، أو كان افتراضيًا إلى حد كبير كما يرى آخرون ممن يشككون لعدم وجود مجموعة شعرية محددة باسمها، فإن اعتبارها أول شاعرة في التاريخ يستند إلى كونها كانت تذيّل اسمها على ألواح قصائدها، بخلاف ما كان سائدًا في تلك الحقبة، حيث كانت الألواح تخلو من أسماء المؤلفين وتحمل فقط أسماء النسّاخ.

جُمع ما توفر من قصائدها وبلغت حوالي 42 قصيدة، تعكس في مضمونها موضوعات الحب والعاطفة السائدة في الأدب السومري والأكدي، خاصة ما ارتبط منها بعبادة إنانا (عشتار) وطقوس الزواج المقدس، أو ما يمكن تسميته بالطقوس الوجدانية والعاطفية بين العشاق.

وقد وصفها الكاتب ويليام هالو بأنها “شكسبير الأدب السومري”، فيما قام عالم السومريات صموئيل نوح كريمر، والشاعرة ديان وولكستين، بترجمة أعمالها وجمعها في كتاب سردي موحّد بعنوان:
“إنانا، ملكة السماء والأرض: قصصها وتراتيلها من سومر”
Inanna, Queen of Heaven and Earth: Her Stories and Hymns from Sumer
ونُشر الكتاب عن دار هاربر بيرنيال عام 1983.
1. السياق التاريخي والثقافي

برزت بابل كمدينة ذات أهمية، لكن مدنًا مثل أوروك، أور، ولجش كانت مراكز أدبية ودينية أكثر بروزًا. وكان الشعر في ذلك الوقت غالبًا ما يأتي في شكل تراتيل، نصوص، وأغانٍ طقسية مكتوبة باللغة السومرية، ولاحقًا الأكدية.

2. شعر الحب والعاطفة

الحب الإلهي والزواج المقدس

يُعدّ الزواج المقدس بين الإلهة إنانا (عشتار) وإله الراعي دوموزي (تموز) محورًا أساسيًا في الشعر الوجداني. وقد زخرت القصائد بصور حسية وشوق عاطفي وتعبيرات عن الرقة والإخلاص.

من تسبيح لإنانا:

يا ملكة كل شيء، أيتها الضوء المتوهّج،
أيتها المرأة الواهبة للحياة،
أنتِ يا من تجلبين الطوفان من الجبل،
“أيتها الشاهقة، يا إنانا السماء والأرض،
يا من تمطرين نارًا ملتهبة على القفار،
يا من بعثها إليّ الإله آن،
أيتها الملكة التي تمتطي الوحوش،
والتي نطقت بالكلمات المقدسة،
تنفيذًا لأوامر آن المقدسة،
من يستطيع أن يسبر شعائرك المقدسة!
يا مدمّرة الأراضي الأجنبية،
منحتِ الأجنحة للعاصفة،
وجعلتها تهبّ على الكون.”

ومن ترنيمة زواج مقدس:

حبيبي، يا بهجة عيني،
سحره حلو، ونظرته فاتنة…
ليدخل إلى حديقتي المقدسة،
ليقطف ثماري، الحلوة كالعسل.

يمزج هذا النوع من الشعر بين الإثارة والعاطفة والرمزية الروحية، ويصوّر الحب كاتحاد عاطفي وضرورة كونية.

3. المشاعر الشخصية والألفة

تكشف بعض القصائد، كأغاني الحب من أور، عن تصوير دقيق للعاطفة، غالبًا ما تُعبَّر عنها بصوت أنثوي. ويُعبّر المتكلم عن الشوق، الإعجاب، وفرح اللقاء بالحبيب.

4. الأساليب الشعرية المستخدمة

   •    التوازي والاستعارة الرمزية (الحدائق، الحليب، العسل، الفواكه).

   •    البنية الحوارية: يتحدث العشاق مع بعضهم البعض أو عن بعضهم، مما يضفي نبرة وجدانية ديناميكية.

5. الدور المحتمل لشاعرة مثل أنهيدوانا

بصفتها أول كاتبة معروفة في التاريخ، فمن المرجح أن شعر أنهيدوانا أدّى وظائف متعددة:

   1.    أبعاد طقوسية ودينية (خُصّصت لطقوس المعابد).

   2.    تعبير صريح عن صوت الأنثى وقدرتها على البوح بالشوق والحب.

   3.    تراتيل وجدانية تعبّر عن الاتحاد بين البشري والإلهي.

الخلاصة

تُعد أنهيدو-أنّا أو أنخيدو-أنّا أول شاعرة في التاريخ، وقد استحقت بجدارة لقب “شكسبير الأدب السومري”. يتميز الشعر العاطفي في تلك الحقبة (2300–2225 ق.م) بالرمزية والعمق الوجداني. وقد شكّل الحب، سواء الإلهي أو البشري، محورًا رئيسيًا في البناء الشعري، حيث اتخذ وسيلة للتعبير عن الحقيقة الروحية والشخصية على حدٍّ سواء.

المصادر:

   1.    الموسوعة الحرة – ويكيبيديا

   2.    ويليام هالو، The Exaltation of Inanna، 1968

   3.    تراتيل المعبد، سوبيرغ وبيرغمان، 1969

   4.    Inanna, Queen of Heaven and Earth، ديان وولكستين، دار هاربر بيرنيال، 1983

   5.    صالح حميد، “نساء عظيمات من تاريخ وادي الرافدين”، موقع العربية نت، 18 أكتوبر 2016م


error: المحتوي محمي