
لم يكن وداع القديح اليوم لطفلها «حسن محمد ادعيبل» وداعًا عاديًا، بل كان وجعًا يقطر من أعين العائلة وأهل البلدة، الذين تابعوا بشغف قصة شقيقته «فاطمة» حين تبرعت له بخلاياها الجذعية في محاولة لإنقاذه من براثن «السكلسل»، تلك الآلام التي صاحبته منذ ولادته، وبلغت أشدّها في السنوات الأخيرة.
ورحل حسن صباح الأربعاء 16 ذو القعدة 1446هـ، بعد أن انتكست حالته الصحية بصورة مفاجئة، رغم كل الجهود الطبية، والدعوات، و«الأمل» الكبير الذي تَعلّق به الجميع عقب عملية الزرع التي أُجريت في أبريل الماضي، بعد تبرع شقيقته فاطمة بخلاياها الجذعية.
«أهم شيء سلامته» قالتها فاطمة ببراءة
قبل أيام فقط، تصدّرت قصة الطفلة «فاطمة محمد ادعيبل» عناوين التعاطف، بعد التقرير الذي نشرته «القطيف اليوم» للزميلة سناء آل حسين، حين وقفت فاطمة بشجاعة أمام الألم وتبرعت بجزء من جسدها لأخيها حسن، قائلةً ببراءة نادرة: «أهم شيء أن يقوم أخي بالسلامة»، كانت تلك الجملة كأنها نُحتت من نور، تركت أثرًا عميقًا في نفوس كل من تابع قصتها.
أجرت فاطمة عملية التبرع صباح يوم الثلاثاء 16 أبريل، وسط انبهار الطاقم الطبي من إقدام طفلة بعمر العاشرة على هذا العمل الإنساني، وقد مرت تجربتها بسلاسة لم تُخلّف لها إلا بعض الألم الخفيف، خرجت بعده من المستشفى في اليوم نفسه، رافعة رأسها فخرًا ومحبة.
زرع الأمل وخذلان الألم
تحسّنت حالة حسن في البداية، وتعلقت العائلة بالأمل مجددًا، وهم يرونه يبتسم بعد أشهر طويلة من التنويم والأوجاع، لكنّ المرض كان عنيدًا، وجسده الصغير لم يصمد كثيرًا أمام مضاعفاته، فبدأت حالته بالانتكاس خلال الأيام القليلة الماضية، قبل أن يتوقف نبض قلبه المثقل بالألم، ويودع الحياة بهدوء تاركًا وراءه وجعًا لا يُطاق.
«سنشد عضدك بأخيك» والعضد رحل
عاشت القديح اليوم لحظة انكسار، وهي تودّع أحد أطفالها ممن قاوموا المرض بشجاعة، واستندوا إلى دفء العائلة وتضحية الإخوة، قصة حسن وفاطمة لم تكن مجرد «خبر»، بل كانت ملحمة قصيرة عن «الأخوّة»، عن «النية الطيبة»، وعن «الحياة التي نحاول أن نربحها، ولا نقدر دائمًا».
رحل حسن، لكن ما فعلته فاطمة سيظل محفورًا في قلوب أهل القطيف، درسًا في الحب، والإنسانية، والبطولة التي لا تُقاس بالعمر، بل بالنية وصفاء القلب.
الوداع الأخير
ومن المقرر أن يُشيّع جثمان الطفل حسن محمد ادعيبل هذا اليوم في القديح، وسط مشاعر مختلطة من الحزن والفخر، بينما تقف «فاطمة» وقد فقدت رفيق طفولتها، لكنها حتمًا ستبقى «بطلة» في أعين كل من عرف قصتهما.