
يسعى الإسلام إلى ضبط جميع أمور حياة المسلم بحذافيرها ومع اندماج ألوان الاحتياجات الإنسانية تظهر تفاصيل صورة جميلة الألوان تبرز كل احتياجات المسلم يظهر في تلك الصورة التفاصيل الكاملة لمتطلبات الحياة.
كانت هذه الكلمات بداية حواري مع صديقتي التي بادرتني بسؤالها:
ماذا فعل الإسلام للمرأة؟
كيف غيّر حياتها ؟
هل أعطاها حقوقها كاملة ؟
كان حديثًا طويلًا في جلسة سمر تخللتها أحاديث شيّقة، أثنينا خلالها على جهل المعرفة لأن ما بلغناه من معرفة ليس بمعرفة تامّة؛ فتذكرت قول ابن المبارك: (لا يزال المرء عالمًا ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل) وقد انتهى بنا المطاف في أحاديثنا إلى حقيقة مهمة وهي: أنّ الزواج الثاني محرمٌ شرعًا إذا لم تكن له ضوابطه الصحيحة كما وضعها التّشريع الإسلاميّ.
وقد يتساءل البعض عن حقيقة تحريمه
وقبل أن أبدأ في الحديث لا بد أن أنوّه أن هذا الأمر أمرٌ لا يخصّ امرأة بعينها وإنما هو حديث لا بد منه في جميع مجالس النساء واجتماعاتهن.
سألتني صديقتي فاطمة؟
لماذا شرّع الله تعالى الزواج بأربع نساء؟ في حين أنّ هناك شرائع لاتجيز الزواج إلّا بواحدة فقط.
وكيف أهمل الإسلام حالة المرأة النفسيّة في حال زواج زوجها بأخرى؟
أجبتها: حاشا أن يكون الإسلام بهذه السطحيّة، إنّه يلتفت للمرأة في جميع أحوالها بل إنّه ينظر للصالح العام بالنسبة للرجل والمرأة على السواء.
فيتحمل الرجل مسؤولية العدل المطلق بين الزوجتين في كلّ شيء وإلّا فسوف يكون مأثومًا بزواجه الثاني. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا) (سورة النساء، آية 3).
ردّت عليّ فاطمة: وهل هناك سبيل للعدالة بين الزوجتين في ضوء قوله تعالى: (ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جوْفِه) (سورة الأحزاب، آية 4).
قلت لها: إذا كانت العين سراج الجسد يا عزيزتي فسراج النفس الضمير وبالضمير يقرع الإنسان نفسه فيميز الزوج بين الحلال والحرام، وإذا كانت نيته من زواجه الثاني عدم تحقيق العدالة فالاكتفاء بزوجة واحدة هو الحلّ الوحيد أمامه ليخلي ساحته أمام الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً).
يقول الحقّ تبارك وتعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ) (سورة النساء، آية 129).
وقد تمّ تدوين أمر الاكتفاء بزوجة واحدة بناء على بعض اجتهادات الأئمة لبعض المدارس الفقهيّة الحنبليّة والشافعيّة
التي تؤكد: "أنه من المستحسن للرجل المسلم أن يتزوج زوجة واحدة فقط، حتى لو كان بإمكانه أن يعدل بين أكثر من امرأة" أما إذا استدعت الضرورة أن يجمع الرجل بين زوجتين فأكثر فهذا أمرٌ تدعوه الحاجة لذلك وله أسبابه المتعددة المعروفة عند معظم الناس.
تابعنا حديثنا ووصلنا إلى الحالة النفسية السيئة التي تشعر بها المرأة عندما يتزوج زوجها بامرأة أخرى؛ فلا بد أن يفلت منها زمام أعصابها وينتابها الغضب الشديد وقد تُصاب بأمراض مزمنة خاصّةً عندما لا ترى سببًا واضحًا لزواج زوجها من أخرى، وترى سنوات عمرها قد انصرمت وهي على وشك إقفال دفاتر الخيانة إيمانًا منها بأن حياتها الزوجية وصلت لأعلى مستويات الأمان النفسي.
فكيف بالإسلام أن يترك حالتها دون بحث أو تشريع وهو الذي أكرمها وجعلها سيدة بل أميرة في منزل زوجها فقد فرض لها نفقةً وسكنًا خاصًا بها وفرض على الزوج واجبات وحقوق كثيرة تجاهها، إذ وصل الأمر لإعطائها أجر رضاعة أطفالها وأقصاها عن الخدمة في بيت زوجها.
فقد جاءت رسالة الإسلام مناهضة لحقوق المرأة، أمدّتها بالقوة والاحترام والاعتزاز بالنفس أكثر مما كان لامرأة الأمس في العصر الجاهلي.
فما شأن ذلك الألم الذي ينتاب المرأة بعد زواج زوجها؟ ما إن فرض الله الزواج إلا وقد أوجد حقوقًا وواجبات على الزوجين وكان للزوجة الأولى نصيب الأسد من الحقوق وما شُرّع الزواج الثاني إلا وقد وضع الإسلام للزوجة الأولى حقوق كثيرة سأذكر بعضًا منها:
_ إذا أقدم الزوج على الزواج بالثانية واشترطت انفصاله عن زوجته الأولى فلا يحق للرجل أن يستجيب لأمرها.
قال النبي الكريم ﷺ: «لا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِها لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَها، ولْتَنْكِحْ، فإنَّ لها ما قُدِّرَ لَها» رواه البخاري.
_ إن شرط العدالة أمر مهم في الزواج الثاني وإلا فواحدة تكفي.
_ مراعاة مشاعر الزوجة الأولى أمرٌ لا بد منه عند إخبارها بأمر الزواج الثاني فإنه يدخل في باب المعاشرة الحسنة مصداقًا لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة النساء، آية 19).
هذا فضلًا عن الوعد الإلهي لها بالثواب العظيم إن صبرت على هذا الابتلاء وهذا الألم النفسي الذي سوف ينتابها بسبب زواج زوجها عليها.
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه".
إنّ فكرة الزواج الثاني أمرٌ صعب على المرأة غير أنّ الحياة لا تتوقف عنده، فكم امرأة أبدعت بعد زواج زوجها وشقّت طرقًا جديدة لم يكن لها عهد بها.
بل توقّفتْ عن تخمين أحداث المستقبل وحاولت جاهدة تفريغ عقلها من الأفكار السلبيّة، وتحررتْ من القيود التي يحاول إبليس إرهاقها بها.
يقول الشاعر:
إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَومًا
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ
وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ