18 , يوليو 2025

القطيف اليوم

في حلة محيش.. من 17 مجلسًا في يوم إلى وداعٍ واحد… الملا حسين آل باقر يترجّل بعد ثمانية عقود من العطاء

غَيَّب الموت قبيل مغرب يوم الثلاثاء 8 ذو القعدة 1446هـ، الخطيب الحاج الملا حسين بن الملا محمد بن حسن آل باقر، أحد الوجوه البارزة في منابر محافظة القطيف، وذلك بعد معاناة مع المرض، في أحد مستشفيات المنطقة.

ويُعدّ الفقيد من الذين تتلمذوا على يد الرعيل الأول في سلك الخطابة ولازموه، وقد كرّس عمره لخدمة المجالس لأكثر من سبعين عامًا، متنقلاً بين المآتم والبيوت في القطيف وقراها، حتى غدا اسمه مقرونًا بمجالس استمرت لعقود، ومن أبرزها: مجلس علي بن سلمان سليس في بلدة حلة محيش، وهو أول مجلس كان يقرأ فيه الراحل عادةً، ومجلس الخضيمي في الشويكة لأكثر من 55 سنة، ومجلس إبراهيم عجيان لنحو 50 سنة، إضافة إلى مجالس العوامي في الحلة، ومسلم البوري، وخليل المادح، والسنان بالأوجام، والمغاسلة بالجش.

وُلد الملا حسين آل باقر في بلدة حلة محيش عام 1363هـ، وتلقى تعليمه النظامي في مدارس القطيف، حيث درس في مدرسة البحر صباحًا، ومدرسة الجارودية الابتدائية مساءً. وتعلّم مبادئ الكتابة والخط على يد الملا علي بن رمضان، وبدأ دراسة القرآن الكريم على يد والده الملا محمد، ثم أكمل حفظه عند جده الملا علي آل باقر، ليختم أجزاءه في غضون شهر واحد فقط.

بدأ رحلته في الخطابة وهو في الثامنة من عمره، بتوجيه من والده، وتدرّب على أيدي كبار الخطباء في المنطقة آنذاك، منهم: الملا رضي الزاير، وشقيقه الملا حسن الباقر، والشيخ عبدالمجيد الشيخ جعفر، ثم استقل بالخطابة في سن العشرين، ليصبح لاحقًا من الأسماء اللامعة في هذا الميدان، عُرف بإخلاصه وتواضعه، وحرصه على المطالعة والارتقاء برسالته المنبرية.

ومن المواقف الطريفة التي تجلّى فيها عطاؤه، ما رواه خلال إحدى مناسبات تكريمه، حين استعاد ذكرى عامٍ شهد فيه نقصًا حادًا في عدد الخطباء، فوجد نفسه مضطرًا إلى قراءة 17 مجلسًا في غضون 24 ساعة، حيث كانت المجالس في القطيف آنذاك تبحث عن من يسد النقص، ولم يكن ثمة متّسع للاعتذار أو حتى لالتقاط الأنفاس.

ويُشيَّع جثمان الفقيد عصر يوم الأربعاء 9 ذو القعدة 1446هـ، في مسقط رأسه ببلدة حلة محيش، حيث يُوارى الثرى وسط أجواء من الحزن والتقدير، مودّعًا من محبيه بمهابة وامتنان، بعد أن شكّل بصوته وأدائه ووفائه، جزءًا أصيلاً من وجدان المجالس لعقود طويلة.

«القطيف اليوم» التي آلمها هذا النبأ، تتقدّم بخالص التعازي إلى ذوي الفقيد ومحبيه، سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يُلهمهم الصبر والسلوان.


error: المحتوي محمي