13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

«نقل الكلام.. خطر داهم على العلاقات الاجتماعية وأساس التفكك المجتمعي»

تعتبر العلاقات الإنسانية من الدعائم الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات، فهي تعكس مدى التفاهم والتعاون بين الأفراد. إلا أن هذه العلاقات قد تتأثر بشكل كبير بعوامل متنوعة، ومنها ما يُسمى بنقل الكلام. وقد حذر الإسلام من هذه الظاهرة باعتبارها من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية وإثارة الفتن بين الناس.

إن "نقل الكلام" يشمل نقل الحديث بين الأفراد من دون التحقق من صحته، سواء أكان عن نية سوء أو جهل، وقد يتخذ هذا النقل شكل الغيبة أو النميمة، وكلاهما يؤدي إلى تشويه السمعة وإحداث الفرقة، وتأثير ذلك على العلاقات الاجتماعية، مما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.

نقل الكلام بين الغيبة والنميمة:‎ يعد نقل الكلام بين الناس من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الشحن النفسي والفرقة في العلاقات الاجتماعية، وهو يشمل نوعين رئيسيين من الأفعال: "الغيبة والنميمة".

الغِيبة: هي ذكر الشخص بما يكره وهو غائب عنه، بينما النميمة" هي نقل الكلام بين شخصين بهدف إفساد العلاقة بينهما.

وفي كلتا الحالتين، يتسبب الحديث عن الآخرين دون إذنهم أو دون التأكد من صدق القول في إحداث شرخ في العلاقات الاجتماعية، وزيادة الفجوة بين الأفراد أو الجماعات.

قال جل وعلا في محكم كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة الحجرات آية 12]. ‎فقد حثت هذه الآية على تجنب الغيبة والتجسس على الآخرين، مع التأكيد على أن هذا النوع من السلوك يعكر صفو العلاقات بين الأفراد ويفسد الأخوة والصداقة، كما أوضحت هذه الآية الكريمة العواقب السلبية التي قد تترتب على مثل هكذا تصرفات، والتي تؤدي بكل تأكيد إلى الوقيعة بين الأهل والإخوة ولما ستسببه من فتح أبواب للفتن.

وفي آية أخرى، يقول الله سبحانه وتعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النور الآية 19]. كما بينت هذه الآية كذلك أن نشر الأخبار السيئة عن الآخرين يُعد من الأمور المذمومة التي تؤدي إلى انتشار الفواحش في المجتمع، وهو أمر غير مقبول من الناحية الدينية والاجتماعية.

وعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه حذر من نقل الكلام الذي يسبب الفتن والفرقة بين المسلمين بالحديث المشهور "من يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، وقوله كذلك "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام "من نقل إليكم حديثًا يفسد بينكم، فاعلموا أنه لا يريد خيرًا لكم" الكافي الجزء الثاني - باب النميمة وأثرها على المجتمع، ‎وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام "من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت" بحار الأنوار الجزء 71 باب - آداب الكلام".

تأثير نقل الكلام في العلاقات الاجتماعية:
تظهر الدراسات الحديثة في علم النفس وعلم الاجتماع تأثيرات خطيرة لنقل الكلام على العلاقات الاجتماعية، حيث بيّنت أن الأشخاص الذين يتعرضون للنميمة أو الغيبة يعانون من انخفاض في مستويات الثقة والتعاون مع الآخرين، كما أشارت بعض الأبحاث إلى أن النميمة تزيد من مشاعر العداء والكراهية بين الأفراد، مما يؤثر بشكل سلبي على البيئة الاجتماعية بشكل عام، وبالإضافة إلى ذلك تؤدي هذه الممارسات إلى ضعف الروابط الاجتماعية وزيادة التوترات في المجتمع، "الجانب المشرق والمظلم للنميمة وتأثيرها على التعاون داخل المجموعات "، مجلة "الحدود في علم النفس" وهي مجلة علمية تعنى بنشر أبحاث في جميع تخصصات علم النفس ومقرها سويسرا - لوزان.

كيفية تجنب نقل الكلام: ‎في عصر السرعة والتقنيات الحديثة، لم يعد نقل الكلام مقصورًا على المجالس الضيقة، بل أصبح متاحًا بضغطة زر تصل إلى آلاف الأشخاص في لحظة، وهنا يطرح العقل الواعي تساؤلًا مهمًا: كيف يمكننا كأفراد ومجتمعات أن نتصدى لظاهرة نقل الكلام في هذا العصر المتسارع؟ وهل يمكن لتقنيات الإعلام والتواصل الاجتماعي أن تلعب دورًا إيجابيًا في الحد من هذا السلوك المدمر؟ أم أنها -في كثير من الأحيان- تزيد من تفاقم المشكلة وتوسع دائرة الفتنة؟ وهل نملك الوعي الكافي للتحقق مما يُنقل إلينا؟ أم أننا ننزلق إلى دور "الناقل" بلا فكر أو تبصّر؟ ‎وإن كانت هذه الظاهرة قديمة في جذورها، فإن العصر الحديث، وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، قد جعلها أكثر انتشارًا وسرعة، لذلك يصبح من الضروري أن نتبنى سلوكيات تَحترم خصوصية الآخرين، كما يتوجب علينا أن نؤسس لثقافة تقوم على الصدق والتسامح، ولنتعلم كيفية تفادي الحديث في غياب الأشخاص بما قد يسبب لهم الضرر.

إن المجتمع الذي ينقل الكلام ويشاع فيه الفساد هو مجتمع هش وضعيف، قائم على الشكوك والاتهامات، في حين أن المجتمع الذي يبتعد عن هذه الآفات ويعزز من قيم الثقة والاحترام، سيكون أكثر قوة وتماسكًا، وعليه فإن دور كل فرد في المجتمع مهم جدًا، حيث إن الوعي بأضرار نقل الكلام يمكن أن يكون خطوة كبيرة نحو بناء مجتمع صحي يسوده التعاون والتفاهم، ففي عالمنا المعاصر، حيث تزداد وسائل الاتصال وتتسارع الأخبار في كل لحظة، يصبح من الضروري أن نتعامل بحذر مع ما نسمع وننقل، حيث يجب على أفراد المجتمع أن يكونوا حكيمين في تعاملهم مع المعلومات، وأن يدركوا أن الحديث عن الآخرين بطريقة غير أمينة أو بنية سيئة لا يقتصر أثره على الفرد فقط، بل قد يؤثر على المجتمع بأسره، مما يسبب تفكك الروابط الاجتماعية والأسرية، إن دورنا كأفراد في التصدي لهذه الظاهرة يتطلب وعيًا ومسؤولية اجتماعية، ولتحقيق هذا الوعي علينا أن نبدأ من الذات، إن الالتزام بتعاليم الإسلام في هذا الشأن له أثر بالغ في خلق بيئة اجتماعية صحية قائمة على الاحترام المتبادل، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر قوة وأمانًا، ويجعل من الكلمة أمانة، لا أداة للهدم.


error: المحتوي محمي