12 , يوليو 2025

القطيف اليوم

أيها الموهوب.. كن أنت حين يجب أن تكون! 

لم أكد أبلغ المرحلة المتوسطة من دراستي حتى تملَّكني الشغف لأن أخوض فن الرسم التشكيلي وهو ما كان فعلًا، سيما وقد كنت أتابع أخي الأستاذ عمر علي الشيخ حفظه الله،  حين كان نادي مضر بالقديح قديمًا يضج بالأنشطة المتنوعة من رياضية وثقافية، وهوايات مختلفة كان لها الدور البارز في بزوغ نجوم كثر في مختلف الهوايات، حيث كنت واحدًا من أولئك، ولا أنسى بالطبع فضل مدرس مادة الرسم المصري الأستاذ يحيى -لا أذكر بقية اسمه- والذي كان له الأثر الأكبر في عشقي لتلك الهواية، وهو من كان يعد في وقتها من جيل الفنانين التشكيليين المصريين البارزين على مستوى الوطن العربي، ومن بينهم بالطبع وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك الفنان التشكيلي فاروق حسني.

لا أنكر أن تلك الهواية تأصلت لدي، فلم أبلغ المرحلة الثانوية إلا وقد وصلت لدرجة خوض المسابقات الفنية، والتي كانت تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب آنذاك، وفزت فيها ولله الحمد بعدد جيد من الجوائز، ومازلت أحتفظ بشهاداتها إلى الآن، كما تم ترشيحي مبدئيًا مع بعض الإخوة الرسامين آنذاك لدراسة الرسم في الخارج، حيث لم يحالفني الحظ لذلك في الوقت الذي سافر فيه بعضهم إلى إيطاليا ليتخصصوا ويصقلوا مواهبهم الجميلة، أتذكر منهم الفنان عبدالحميد البقشي إذا لم تخني الذاكرة، كما لا أنسى صديقي وأخي العزيز الفنان والكاتب الموهوب الأستاذ عبدالعظيم شلي -أبو محمد- والذي لايزال من رعاة الحركة الفنية التشكيلية في المنطقة حتى الآن.

وللأسف لم أستمر في هذه الموهبة لأسباب مختلفة، أذكرها في ختام المقال إن وسع المجال، وإن كان الحس الفني لايزال مختَزَنًا لدي.

هنا، لا أسلط الضوء على تجربتي، بقدر ما أريد أن أبعث الأمل، وأشعل روح العزيمة في أي فرد لديه الرغبة الكامنة أو الظاهرة وإن كانت خجولة، بأن يندفع ويخوض التجربة التي يشعر أنها تخالجه، ويحاول أن يجد لها طريقًا، ولا أقصد فن الرسم فقط، بل أي موهبة وهواية يرغب بها، ويشعر أنه يهواها وقريب منها، وأن يتعلمها ويتعب من أجلها، فهي لن تأتيه على طبق من ذهب، بل تحتاج لتعلم وممارسة وجهد حثيث، وبتدرج، وليس قفزًا على الواقع، فهو كلما تدرج، كلما تقدم ولامس النجاح.

الهوايات ليست للشهرة العبثية والظهور الشخصي على حساب التميز، بل هي مواهب سوف تصل حتمًا للاحترافية، وسوف يكون المرء  مختصًا فيها يومًا ما،، وله اسمه وهويته ومدرسته، بل ومسؤولياته، وربما تفرغ لها تمامًا.

مواهب الفنون والثقافات المختلفة شعرًا ونثرًا وكتابةً وغيرها، تبدأ خجولة، ومن الصفر، وبأولى خطوات الألف ميل، وربما تكون عرضية، في حالة الاستكشاف، وجدية في حالة الانكشاف، وهو ما يستوجب رعايتها عند ذلك، سواء من الشخص ذاته، أو من المحيطين به، من العائلة، أو المجتمع الذي يهمه احتضان المواهب ورعايتهم، حيث إن الهواية لن تكون كذاك مع التقادم، فهي بطبيعتها تتطور، وتتطور سيما مع الإقبال والشغف.

الهواية لا تقف عند حد معين، إنها كالدراسة تمامًا، وكالتخصص حتمًا، شاء الهاوي أم أبى، فهو سوف يجد نفسه شاعرًا أو رسامًا أو خطاطًا أو كاتبًا يشار له بالبنان، ولن يسعه المجال ويتهرب ليقول إني مجرد هاوٍ فقط، وإذا أخفقت أو أخطأت فسامحوني، وقد تلبسته الهواية لتكون موهبة، وليكون هو صاحب اسمٍ مطلوب في المحافل والحراكات الثقافية أو الفنية أو الأدبية أو غيرها ومهما زهد في ذلك، فلن يدعه المجتمع ولا الجهات المهتمة بذلك.

لابد أن يكون للأسماء محلها من الإعراب، فالاحترافية ليست حكرًا على أحد، بل هي ميادين مفتوحة، وسباقات محمومة، ومن غير المعقول والمنطقي أن تكون الفنون أو الكتابة أو الثقافة والأدب أو الرياضة رهينة أسماء بعينها، بل هناك تسابق وتمايز، بل وتفوق الأدنى على الأعلى. والأستاذ على التلميذ، لا يوجد جذر باسم أصيل وبعده أسماء فرعية، فالمجالات مفتوحة والموهوبون حشر، ولكن لا يكفي أن يكون المرء مع الحشر، لأنه وربما وخلاف رغبته، سوف يكون متميزًا وهو لا يدري أو يدري ولا يريد، طالما استمر شغوفًا عاشقًا لتلك الموهبة التي جدَّ فيها بالممارسة، وحلق معها للإبداع والاحترافية، فهو حتمًا سوف يكون نجمًا محليًا، وكوكبًا عالميًا يومًا ما. 

ختامًا وكما وعدت عاليه، بدأت، فالعبد الفقير لم يترك الرسم زهدًا، ولكن بسبب الاشتغال بأمور أخرى هي من جنس موهبة الفن، وقد تفضل بها الله عز وجل على عبده، لكني أرفض أن أمارسها كهواية وهي تعرض على الجمهور عامة، ولا يمكن أن أتنصل منها وهي من صميم مسؤوليتي، فحين أرسم أو أكتب الشعر أو الموضع أو المقال، فلابد أن أكون رسامًا أو شاعرًا أو كاتبًا أو قاصًا بهويتي، وهكذا، أما الهواية فهي تبدأ تمامًا مثل دراسة المرحلة الابتدائية إلى أن تنتهي بالجامعية وأكثر، وهي التخصيية والاحترافية والاستشارية، وإلى ما شاء الله عز وجل، والسلام.


error: المحتوي محمي