تخليدًا لذكرى هذا البيت العريق وذكرى من قطن به ممن رحلوا، كتبت هذه السطور.
أولًا: المبنى
بيت الشيخ منصور البيات الواقع في جنوب غرب قلعة القطيف، محاذيًا لبوابة السور، بالقرب من مسجد المنارة سابقًا (مسجد فيصل بن تركي حاليًا)، والذي يصل عمره إلى أكثر من مئتي عام، وكما يُنقل أن البيت كان ملكًا «لابن حمّاد»، ومن ثم اشتراه الحاج عبدالله بن عبدالعزيز البيات.
محتوى البيت
يتكون البيت من ثلاثة أدوار، فالدور الأرضي الذي تبلغ مساحته مئة وثمانين مترًا مربعًا تقريبًا، يحتوي على:
مربّعة(١)، ورواق، وحوي(٢)، ودارَيْن(٣)، إحداهما سكن فيها أحد أبناء عمومة الشيخ ويسميها أسباطه (دار أمي كظيم)، وواحدة لأمَة الشيخ - خادمته - وتسمى (دار أمي سعيدة)، وبئر، وچندود(٤).
وكان البئر لا يتوفر إلا في بيوت أصحاب الوفرة المادية.
أما الدور العلوي فيحتوي على: مربّعة، ومسعى، ومطبخ، وأربع غرف:
1- غرفة الشيخ
2- غرفة تسمى بـ(غرفة الدياج)
3- غرفة تسمى بـ(الغرفة الضلمية) لوالدة الشيخ
4- غرفة بنت الشيخ وأسرتها.
والدور الأخير مكوَّن من خلوة(٥)، ومصبّح(٦).
فكانت الخلوة يرتادها العلماء مثل الشيخ علي أبي عبد الكريم الخنيزي والشيخ فرج العمران، وكان لشيخنا مجلس اشتراه من البيت المجاور لبيته، وهو بيت عمه الحاج سليمان. فقد كان الشيخ يذهب لذلك المجلس من خلال جسر معلّق قد وضعه بين البيتين من أعلى السطح.
يُعتبر بيت البيات من بيوت أصحاب الوفرة المادية، ويتميز بوجود الأقواس المدببة، ويضم زخارف متنوعة ومميزة وفريدة من نوعها، كنقوش النجوم، التي - بحسب تعبير الباحث الأستاذ إسماعيل هجلس - لم يرها في أي بيت آخر. وتوجد دروازة - باب البيت الرئيسي - مميزة عمرها بعمر البيت، ودهليز وساباط، وما يميز البيت أيضًا ارتفاع الأسقف.
طريقة البناء
الطريقة المتعارف عليها في مناطق الخليج العربي الساحلية والقطيف خصوصًا، التي تعتمد على استخدام مواد بيئية تمثل بيئة المنطقة التي يقع فيها المبنى، مثل استخدام حجر الفروش (المرجان البحري) الذي يمتاز بالقوة والصلابة والخفة في الوقت نفسه، وله حرفيون متخصصون.
والطين البري أو البحري - والأشهر هو البحري - حيث يتم استخراجه ونشره، ومن ثم يُحرَق ويُعزل بقايا الحرق عن المادة الناتجة “الجص”، فيُدَق الجص ويُعبّأ في شكل هرمي يسمى “الصيران”.
ومن مميزات الجص قوته وتحمله للظروف القاسية، وسهولة استخدامه، وله مميزات بيئية؛ فله القدرة على امتصاص الرطوبة بالليل وطردها بالنهار، ليكون المنزل باردًا في فترة حرارة الجو.
إن العمارة القطيفية تميزت عن أقرانها، تلك العمارة العميقة في ذاتها، فلم يكن تصميم المبنى واستخدام مواد البناء المعينة وطريقة البناء عبثًا واعتباطًا، بل كان وراءها فلسفة سَنيّة ودلالات معنية. ولعل أبرز ما ميّز البيت القطيفي تلك الزخارف الجصية القطيفية التي تعطي طابعًا جماليًا، وتعبر عن أصالة هذه المدينة.
فالنقّاش يعكس ثقافة وحضارة عليها، ولم تكن عشوائية، وإنما متجانسة ومتوازنة بدقة تسر الناظر وتبهره. فتارةً نراها على شكل آيات قرآنية وعبارات دينية، وتارةً نراها على شكل ورد وشجيرات، ما يدل على اهتمام أهل المنطقة بالزراعة، ومرة أخرى نجد الرموز التي تعبر عن ثقافة المنطقة كالمبخر والمرَش، وأيضًا نراها - كما في بيت البيات - على شكل نجوم، وهذا قد يدل على الاهتمام السابق بعلم الفلك.
لا أبالغ إن قلت إن القطيف تفوقت في هذا الصعيد على باقي المدن - مع تفوقها في أصعدة أخرى لسنا بصددها الآن -، فعمارتها من الأرقى والأفخر والأبدع في الخليج.
وخير مثال على المباني التي تضم هذه الزخارف: بيت المقدس الشيخ منصور البيات، وخميس بن يوسف، والدعلوج، والمصطفى، والجشي بالقلعة، وكذلك بيت الجشي وبيت السني بتاروت.
وقد يكمن امتياز احتواء هذه البيوت على الزخارف بحسن الأوضاع المادية لأصحابها.
⸻
هوامش:
١- مجلس العائلة كما يسمى باللفظ الدارج “الصالة”.
٢- مساحة داخلية في منتصف البيت مربعة الشكل مفتوحة إلى السماء، يحيط بها المسعى وغرف المنزل، تعطي إضاءة وتهوية للمنزل.
٣- يُطلق لفظ (دار) على الغرفة الواقعة بالطابق الأرضي، و(غرفة) للطابق العلوي.
٤- محل تجميع التمر.
٥- المكان الذي يختلي فيه ربّ البيت ويستقبل أصدقاءه، ويكون في الدور الأخير.
٦- مكان في سطح المنزل مكوّن من قوسين، مفتوح على الخارج، يجلس به بالصباح للاستمتاع بالهواء اللطيف.
⸻
ثانيًا: شخصيات البيت
[يتبع بقية النص بنفس التنسيق، وسأكمله فورًا في الرد التالي لكامل الشخصيات والمحتوى التوثيقي]
تابعًا للجزء الأول، إليك بقية المادة مدققة إملائيًا دون تغيير في الصياغة:
⸻
ثانيًا: شخصيات البيت
أسرة البيات
البيَات بفتح الياء لا بشدها، وهي أسرة عريقة كريمة ذات جاه ومجد وتجارة وثروة، وهم ينتمون إلى رُدَينة التغلبي النجدي أصلًا القطيفي مسكنًا، وهو أحد رجال منتصف القرن التاسع الهجري، والذي تتوزع ذريته في القطيف وسيهات.
ومن نسله: بيات بن عبدالله بن حمد بن قاسم بن عبدالله بن ردينة، الذي كان حيًّا عام ١٠٤٠هـ، وأنجب ولدين وهما أبو السعود ومحمد. أما أبو السعود فيتفرع نسله إلى أسرة أبي السعود التي تتفرع منها أسرة آل نصر الله، وأما محمد فيتفرع نسله إلى آل بيات التي تتفرع منها أسرة آل ناجي، ولهذه العوائل وزن كبير وتأثير ظاهر في المجتمع على صعيد الزعامة والتجارة والعلم.
فمنهم شخصيات مؤثرة كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الشيخ ناصر بن أحمد آل نصر الله، والزعيم الوجيه عبدالله بن نصر الله، والشيخ حسن علي البيات، وشيخنا المقدس الشيخ منصور البيات، والزعيم الحاج علي بن حسن آل أبي السعود.
وأخو بيات بن عبدالله المتقدم الذكر هو حمد الذي تنتمي إليه الأسر الآتية: آل عبد النبي، وآل عبد الرحيم، ومن فروعها أسرة آل حجّي التي من فروعها أسرة آل نصر، وأغلبهم في سيهات.
ومن شخصيات هذه الأسر: علي بن عبد الرحيم بن علي بن حجّي بن عبد الرحيم، الذي كان والي سيهات في زمن الإمام فيصل بن تركي، والخطيب الملا عبدالمحسن النصر، والعمدة الحاج عبدالله بن حسين بن نصر، رحمهم الله جميعًا.
⸻
المقدس الشيخ منصور البيات
آية الله المقدس العلامة حجة الإسلام وثقة المراجع العظام الشيخ منصور بن الحاج عبدالله بن الحاج عبدالعزيز بن محمد بن علي بن حسين بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن بيات القطيفي.
ولد في جمادى الأولى عام 1325هـ. أمه فاطمة بنت الحاج محمد علي بن محمد بن الشيخ عبدعلي بن الشيخ محمد بن العلامة المحقق الشيخ حسين الماحوزي.
في صغره فقد بصره، ولكن أنار الله بصيرته، فطلب العلم ودرس في القطيف على يد كبار علمائها: الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، الشيخ علي الجشي، والشيخ فرج العمران، وغيرهم.
ثم هاجر إلى النجف في شوال 1382هـ بصحبة الحاج عبداللطيف الزاير، والتحق به سبطه الحاج فؤاد الزاير، فحضر على كبار المراجع: السيد محسن الحكيم، السيد الخوئي، الشيخ الحلّي، السيد محمد باقر الصدر، وغيرهم.
وبعد 18 عامًا من السهر والمشقة، عاد إلى القطيف في 28 رجب 1400هـ. وقد قال فيه الشاعر محمد سعيد الجشي قصيدة مطلعها:
هبط الخط بعد طول ابـتعاد
قـمر طالــع بصــدر النــادي
هو فجـــر يشع بعد ظــلام
مدلهــم على سمــاء البـــلاد
وكان يؤم الجماعة في عدة مساجد، واشتهر بالزهد والعبادة، وكان من الملتزمين بصلاة إحدى وخمسين، ومنظمًا لمجالس أهل البيت، ومربيًا للرجال والنساء.
من تلامذته:
• الشيخ حسين العمران
• السيد صالح الحكيم
• الشيخ محسن المعلم
• الشيخ عبدالرسول البيابي
• السيد سعيد الخباز
• الشيخ حلمي السنان
من مؤلفاته:
• النظرة الرشيدة
• النظرة النفسية
• النظرة النبوية الإمامية
• النظرة العدلية
• النظرة الحكومية
توفي ليلة الثلاثاء 29 شعبان 1420هـ، وصلى عليه الشيخ المرهون، ثم الشيخ عبدالله الخنيزي، والسيد علي الناصر السلمان، ودُفن في مقبرة الخباقة.
⸻
المرحومة السيدة زكية العوامي
الخطيبة الحسينية السيدة زكية بنت السيد محفوظ العوامي، زوجة الشيخ منصور، وأمها زينب بنت الشيخ علي البلادي.
توفيت يوم الأربعاء 8 شعبان 1428هـ.
⸻
المرحوم الشاب أحمد
أحمد بن الشيخ منصور، المولود 15 شعبان 1347هـ. كان بارًا بوالده، وتوفي شابًا قبل زفافه.
رثاه الشاعر خالد الفرج بقصيدة مؤثرة مطلعها:
اقرؤوا خاشـعـيـن أم الكتــاب
ثـم ضـجوا بالنــوح والانتـحاب
⸻
المرحومة الحاجة فاطمة (أم فؤاد الزاير)
ابنة الشيخ منصور البيات، خطيبة وكاتبة وأديبة، ولها مؤلفات دينية عدة.
درّست النساء في القطيف، وتزوجت بالحاج حسين تقي الزاير عام 1371هـ.
أنجبت أبناء وبنات أبرزهم الحاج فؤاد، وكانت خير مُعاونة لأبيها.
توفيت في 12 رمضان 1442هـ، ودُفنت في الخباقة بجوار العلماء.
⸻
المرحوم الأديب الحاج حسين الزاير
أبو فؤاد، زوج الحاجة فاطمة، شاعر وأديب ومؤرخ.
ألف كتبًا منها:
• ديوان الزائريات
• الشجرة البهية
• نجوم في سماء الذاكرة
• النخلة عمة الإنسان
توفي في ذي القعدة 1439هـ، ونعاه مكتب السيد السيستاني بلقب “الوجيه المكرم وعمدة الأخيار”.
⸻
المصادر
• أسرة الشيخ منصور
• الترشيف في تراجم علماء القطيف
• الأزهار الأرجية
• الأستاذ إسماعيل هجلس
• رواق وضوء
• العلامة البيات شيخ المتهجدين
• عشيرة ردينة التغلبية
• صحيفة صبرة
• مجلة الخط
• مسموعات
