13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

ذكريات آخر ليلة ناصفتُ فيها.. تعالي يا جارتي وانظري!

ناصفَ أو يُناصف فعل من "نصَفَ" يعرفه سكّان منطقة القطيف وسكّان أماكن أخرى على أنه مناسبة دينية وثقافية وتراثية يطوف فيها صغار الأولاد والبنات على بيوت الجيران في ملابس نظيفة وجميلة يجمعون ما يعطيهم الجيران من حلويات وألعاب ونقود! يحصل ذلك في ليلتين؛ الأولى في النصف من شهر شعبان والثانية في النصف من شهر رمضان المبارك.

رحم الله جارتنا أم.. وكل جاراتنا اللواتي رحلنَ ولم يأخذنَ من زينة الدنيا سوى التعب والقهر. رأتني جارتي مع أنها مختمرة برداء ولم أكن في ذلك العمر مشغولًا بأمور النساء بعد، إنما حين رأت فيَّ طولًا قالت: أنت كبرتَ فلماذا تناصف؟ سؤال أجبرني على التوقف مبكرًا عن المناصف.

تعالي يا ستي، تعالي يا أمي، تعالي يا جارتي؛ سوف يطير عقلك! البارحة رأيتُ مختلف الأعمار، خصوصًا الضيوف الآسيويين، من العمّال، والضيوف من مختلف المناطق القريبة، أعمارهم تبدو في الخمسينيات، وأهل البلد فيهم كبار أيضًا! ربما حلاوة الطقس والمشاهد الرائعة شجعتهم على المناصف.

يتغير الزمن وتتغير معه بعض العادات، وبعض الأمور لا يستحسن أن تتغير أبدًا. مثلًا، لباس جدتي، لباس الحشمة والشياكة الذي يعجب الناظرين لم يتغير. الحمد لله رأينا البارحة نسوة محتشمات في غاية الأدب مع أطفالهن. تغير شكل اللباس لكن مفعوله الساتر بقي ساترًا. حبّات الفول السوداني القليلة صارت كيسًا مملوءًا بالشوكولاتة والبسكويت الطيب. الشوارع المعتمة أيام جارتنا صار ضوؤها مع أضواء الجيران مختلفًا تمامًا!

ربما يسركِ يا جارتنا قول الإمام علي -عليه السلام-: "من كرمِ المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظه قديم إخوانه". لا زلنا نبكي على زماننا ونحنّ إلى أوطاننا ونحافظ على قديم إخواننا في مثل هذه المناسبات الجميلة. أنتِ يا جارتنا وفلانة جارتنا وفلان جارنا الطيّب، في حارتنا القديمة، نذكر سيرتكم العطرة!

ذكريات عطرة وعادات جميلة سلمها لنا أجدادنا من أجدادهم ونعلمها في شيخوختنا لأبنائنا لتولد من جديد، وهم يسلمونها لمن بعدهم. تتجدد في الشكل والمظهر، مثل أمواج البحر، ويبقى مضمونها ومعناها يمدّ جذوره مثل نخلاتٍ باسقات!

يا رب نعيش جميعًا سنوات عديدة ونحضر مثل هذه الليالي والأفراح بإذن الله العليّ القدير.


error: المحتوي محمي