
الكمال في الأعم هو كيف والتمام كم وكمال الشيء غايته وعدم وجود العيب فيه بينما التمام هو عدم وجود النقص فيه، والشيء الذي لا تميز في سيره إلى الغاية يُعبر عنه بالكمال والتمام على حد سواء فنقول اكتمل القمر أي تم،
والانقطاع إلى الشيء هو الاتكال والاعتماد عليه دون غيره ويتعنون بما يضاف إليه، ونجد في آيات القرآن عناوين مختلفة فتارة نرى الانقطاع انقطاع ولاية أي إلى ولاية الله {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} وانقطاع دعاء {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} وانقطاع اتكال عليه سبحانه {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ولا يحدث الانقطاع إلا إذا كان قلبه متعلقًا به سبحانه في عمله وحركته وعبادته خالصة له {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
فكمال الانقطاع إليه معناه أن تكون العلاقة بالله خالصة في كل كيان الإنسان لأن الإخلاص في العبادة مطلوب {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} بالطاعة والارتباط به سبحانه علاقة عبودية، وهذه أمور نسبية لكون الكيف قابلًا للتفاضل والشدة والقوة ويمكننا وصفه بكونه كاملًا وأكمل وقد نعبر بغاية الكمال حينما نريد مبالغة الوصف فيه، بينما تمام الانقطاع يكون باكتمال التفريعات والأجزاء في عبادة الله فيلاحظ فيها حجم الارتباط وكميته لا كيفيته وامتيازه ومثاليته، فالعابد قد أتم عمله بتمام العمل المطلوب بينما الأهم هو عبادة عن معرفة فتكون كاملة، ونجد في كلمة أمير المؤمنين عليه السلام غاية الأمل في فهم معنى الانقطاع وكماله: "أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه" وهذا ما استفدناه أيضًا من أن لكل مرتبة في درجات الكمال مستويات نسبية من الكمال، فالكمال تمام وتميز نوعي ولا يكون الكمال إلا عن تمام فالناقص لا يوصف بالكمال وإن أمكن توصيف الجزء التام بالكمال لا كله.
يصلي مؤمنان ركعتين صحيحتين أحدهما عن معرفة وإخلاص ونية القربة الخالصة لله والآخر لأداء الواجب وطاعته فالأولى تسمى كمالا والثانية تماما، نتائج الانقطاع إلى الله بدرجات مختلفة وأعلاها هو كمال الانقطاع حينما يكون القلب والعقل والنفس والروح مرتبطين به حينما لا يرى سواه فتكون عبادته خالصة له ولا يرى في وجوده الدنيوي إلا قنطرة لعبورها إلى الله وتصبح العبادة لذة أنس بعبادته وهي عبادة الأحرار كما يعبر عنها أمير الموحدين سلام الله عليه، وفي مناجاة نبي الله موسى عليه السلام في الطور في معنى القرب منه: البكاء من خشيتي. والورع من محارمي. والزهد في الدنيا.
ونختم بالحديث القدسي الذي يمثل درجات الكمال إلى الله والمروي في المحاسن قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وإنه ليتحبب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت المؤمن: يكره الموت وأنا أكره مساءته (أي استيائه وضيقه).