أتذكر جيدًا في بداية حياتي العملية بأرامكو وكأنها بالأمس القريب، حيث هناك العديد من الجنسيات والبيئات والثقافات! وكنا بالصيف نلتقي العديد من الطلبة المبتعثين يمارسون العمل معنا summer students، ويصادف فترة الغداء، أن بعض الطلبة والموظفين يحضرون غالبًا للمكتب الموجودة أنا فيه، وكنا في فترة عمرية متقاربة وهناك تدور بعض الحوارات، وعندما أتحدث أنا على طبيعتي وسجيتي وبلهجتي القطيفية الثرية العريقة، والتي أعتز بها ولا أتنازل عنها حتى هذه اللحظة هذه هي هويتي، حينها أجد هناك من يقمعني ويستخف بلهجتي رغم أنهم من بيئتي، حيث يتخذون موقفًا مستفزًا مني ويقولون لي: لا يجب أن تتحدثي بهذه اللهجة المحلية تفاديًا لأي حرج أمام الغير. وعلى حداثة عمري كنت لا أكترث بنقدهم فهذه هي لهجتي وطبيعتي وأصالتي. وقبل تقاعدي أيضًا كانت تعمل معي زميلة عزيزة علي، دائمًا أتحدث معها بلهجتي وهي تصغي وكثيرًا ما نوهت بأنها تعلمت مني الكثير من اللهجة القطيفية على أصولها بمفرداتها الأصلية أكثر مما تعلمته من الغير.
وكنت أيضًا أسمع البعض في العمل يقولون للبعض الآخر: فقط كن على طبيعتك وكن صادقًا واعمل على تحقيق الهدف، وسوف تحققه وستكون على ما يرام، ولكني فكرت، يجب أن يكون هناك ما هو أكثر من ذلك! إذا كان بإمكانك أن تكون على طبيعتك، فينبغي أن تكون أنت حيث لا يوجد أحد مثلك. هذا صحيح حقًا ويبدو الأمر بسيطًا جدًا، ولكن إذا كنت على طبيعتك فعلًا، فستكون مختلفًا عن أي شخص آخر. وكما ذكرت عندما كنت في العمل، كنت أسمع كثيرًا عبارة "فقط كن على طبيعتك". يبدو الأمر وكأنه شيء رائع القيام به، وتمنيت أن يتمكن البعض من القيام بذلك. ولقد تساءلت عن ماذا تعني تلك الكلمة؟ وتعني (توقف عن انتظار الموافقة من الغير. افعل ما تريد وعش حياتك وكن أنت نفسك).
لقد أحببت واعتنقت دائمًا فكرة، ألا أكون كما يتوقع الناس مني أن أكون. ولقد أخبرتك بذلك من تجربتي الشخصية. أفضل درس تعلمته في الحياة هو أن تكون على طبيعتك! كنت أعدها تجربة إنسانية. وعلينا أن ندرك أن كل شخص ولد بطريقة ما لسبب ما، وأنت من أنت! يجب أن تكون نفسك فقط في جميع الأوقات والأحوال. الطريقة الوحيدة التي ستستمر بها في الحياة بسعادة وسلام هي أن تكون على طبيعتك دون تملق أو تزلف. وعليك ألا تنسى أن وقتك محدود، فلا تضيعه وتهدره في عيش حياة شخص آخر.
ماذا لو كان شخص ما هو "أنا" لأشخاص آخرين؟ هل من المعقول والمقبول أن أكون على طبيعتي وأستمر في كوني "أنا" أمام الجميع؟ ماذا عن الأشخاص الذين يخشون التواجد حول الآخرين ويعيشون حياة متجنبين ومتفادين الغير؟
• كل ما أردته هو أن أعيش حياة أستطيع أن أكون فيها وأتقبل ذلك. لم أكن بحاجة إلى المال في رحلتي.
• كل ما أردته هو، نفسي والفرصة لأكون صانعة عالمي وواقعي الخاص الذي يمثلني وأنتمي له.
• كل ما أردته هو، الطريق المفتوح والبدايات الجديدة كل يوم.
لذا، عندما أستيقظ كل صباح، أشعر بمتعة كوني أنا وأسأل نفسي في نشوة: ما هي الأشياء الرائعة التي سأحققها اليوم بطريقتي وبطبيعتي؟
أن تكون واثقًا هو مفتاح حياتك. لا تخف من أن تكون أنت! أنا مختلفة تمامًا عما كنت عليه في سن مبكرة من حيث الأسلوب والشخصية، وأنا موافقة على ذلك. وإذا كنت أنت موافقًا على ذلك، فسيكون الجميع كذلك أيضًا. فقط كن أنت بنفسك. إذا كان عليك تغيير شيء ما فيك لتكون جزءًا، فلا أعتقد أنه من السهل القيام بذلك. يجب عليك فقط اختيار الجزء الذي يمكنك أن تكون فيه على طبيعتك. الحرية الشخصية والجمال والصحة والرضا والبساطة والقناعة والحياة تبدأ في اللحظة التي تقرر فيها أن تكون على طبيعتك.
من الصعب ألا تكون قادرًا على أن تكون على طبيعتك دون انتقاد في أي منصب، سواء أكنت في المدرسة أو الكلية أو المنزل أو العمل. لم أقل أبدًا أن تكون مثلي، بل أقول كن نفسك وأحدث فرقًا استثنائيًا. نحن نشكل أنفسنا وحياتنا والخيارات التي نتخذها هي مسؤوليتنا الخاصة. لذا تحكم في مصيرك وإلا سيفعله شخص آخر غيرك.
لديك هدية رائعة لتقدمها لهذا المجتمع. كن صادقًا ولطيفًا مع نفسك، واقرأ وتعرف على كل ما يهمك وابتعد عن الأشخاص الذين يبثون الإحباط لديك. عندما تعامل نفسك بلطف وتحترم تفرد من حولك، فسوف تمنح عالمك وشعبك هدية رائعة هو أنت!
لقد كان تحديًا استثنائيًا لأنني اهتممت كثيرًا بأن أكون مقبولة لدى الآخرين. لذا كنت أسأل نفسي: "كيف سأتصرف الآن إذا لم يكن لدي أي اهتمام بما يعتقده الآخرون عني؟" أدركت أن ما أنا عليه بشكل طبيعي دون إضافة أي شيء آخر هو أمر جيد تمامًا. حيث الخوف من أن تكون على طبيعتك هو بداية الشك في الذات. في بعض الأحيان يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة لتكون نفسك. نصيحتي الفضلى هي أن تكون على طبيعتك، لكن لا يمكنك أن تكون على طبيعتك في إطار الغيرة والنميمة والكذب والحقد. فلا شيء يمكن أن يؤذي قلبك أكثر من خيانة نفسك وخذلان ذاتك. عندما تكتفي بأن تكون على طبيعتك فقط ولا تقارن أو تنافس، سيحترمك الجميع. إذًا كيف يساعدك أي من هذه الأشياء على أن تكون على طبيعتك؟ سأقول ببساطة:
• باتباع حدسك وقلبك.
• بالاستماع لصوتك الداخلي.
• بالتوقف عن الاهتمام بما يعتقده الآخرون عنك.
• بكونك وفيًا صادقًا لقيمك ومبادئك الأساسية.
• لعلي أقول: أنا لا أتذمر أو أبرر ولكني أتحرر، بأنني لست أحدًا غير نفسي.
• أنا من أنا، وأنا من كنت، وأنا من سأظل دائمًا! أنا لا أبحث عن أحد بالمجتمع ليسمح لي أن أكون على طبيعتي. وماذا عنك!
• استيقظ! فكر بنفسك، كن نفسك وعُد إلى ما هو حقيقي، في اللحظة التي تتوقف فيها عن المحاولة الجادة لأن تكون شخصًا ما لتصبح نفسك.
• حاول ألا تصبح نسخة من شخص آخر. ولا حتى نسخة مثالية. الأصلي هو الأفضل.
• توقف عن استخدام كل خطإ ترتكبه كذريعة للفشل التام.
• هناك الكثير من الأشخاص في كل مكان لا يحتاجون إلى شيء أكثر من مقابلة شخص مثلك تمامًا؛ لذا دع نفسك تُرى لدى الغير.
أخيرًا: عندما تتخلى عن طرق التفكير القديم والعقيم، وتتبع حدسك ومبادئك، وتفعل ما تحب، فإنك تبدأ في التوافق مع السعادة والسلام. هذه كلها مؤشرات على أنك متصل بطبيعتك الحقيقية. حينها أنت إذن تسمح لنفسك الحقيقية بالتألق بكل مجدها. ولعلي أذكّر البعض ثانية مع العذر، كن أنت بنفسك، افعل ما تريد وعش حياتك، دون انتظار موافقة الغير.



