16 , يوليو 2025

القطيف اليوم

عبد الله المطرود.. رجل العطاء ووجه الجود

ما بين معوقات «الفقر» وحقائق «العون» مد جسور «الإحسان» بأيادٍ «بيضاء» وظفت الخيرات في صناعة المسرات في معادلة بشرية من تركيبة «المشاعر» وتوليفة «الاستشعار» فكان رفيق الفقير وصديق المحتاج ومرافق المسكين في دروب حياة ناصعة «الذكر» تجللت بتسخير «المعروف» وحصد «العرفان».

كانت انطلاقته من «الصفر» واقعًا جليًا فقد بدأ «عاملًا» واستمر «موظفًا» وكبر «تاجرًا» وغادر الحياة «إنسانًا» جمع غنائم الخير وسط «أسرار» الخبيئة مسخرًا «العطاء» بعيدًا عن «الأضواء» محولًا سيرته إلى «منهج» إنساني تجلل بالتقوى وتكلل بالحسنى.

إنه رجل الأعمال الشيخ عبد الله سلمان المطرود -رحمه الله- أحد أبرز التجار وفاعلي الخير في الوطن والخليج.

بوجه شرقاوي الملامح تسكنه علامات «الزهد» وصفات «التقى» وتقاسيم وطنية مسجوعة بالطيبة والهدوء والإنصات وعينان تمتلآن بنظرات التروي حين النقاش ولمحات التراحم حيث التأثر مع أناقة تعتمر «البياض» الذي يعكس صفاء قلبه ونقاء سريرته وشخصية أنيقة التواصل شيقة التعامل لينة الجانب لطيفة القول نبيلة الفعل وسطية الرأي كريمة اليد وكاريزما مجللة برونق الأمانة والإخلاص وحضور زاهٍ بالفضل وباهٍ بالنبل قضى المطرود من عمره عقودًا وهو يؤسس أصول التجارة ويؤصل معاني الجدارة ويقضي الحاجات خلف ستار «السر» ويفرج الكربات بين ثنايا «الغوث» وينثر عبير «المنافع» في دروب «النماء» تاجرًا ومحسنًا وإنسانًا ووطنيًا في سيرة مضيئة قوامها «الفضائل» ومقامها «المكارم» وعناوينها الإنسانية.

في مدينة سيهات الدرة الساطعة على سواحل المنطقة الشرقية ولد المطرود عام 1343 وسط بيت قديم ونشأ في أحضان بيئة متعاضدة حولت «الفقر» إلى مزيج من الألفة والبساطة واللحمة وتفتحت عيناه على «أب كادح يتنقل بين بلدان الخليج للاسترزاق وأم متفانية سدت فراغ «عائل» الأسرة بالعاطفة والتعويض.

تعتقت نفسه بنسيم «الحقول» في أرجاء بلدته وتشربت روحه عبير «البراءة» من ثنايا فطرته وانخطف طفلًا إلى صباحات القادمين على أجنحة البكور ونداءات الصيادين أمام موجات الشواطئ مقتنصًا من سحن «البسطاء» وقائع المصابرة ومن وجوه «النبلاء» حقائق المثابرة فكبر وفي قلبه «أناشيد» الشرقاويين المسجوعة بحكايات السنين ومرويات الحنين في أزمنة تقاطعت ما بين الحظوظ والصدف تارة والانكسار والانتصار تارات أخرى.

انتظم المطرود مع أقرانه في حلقات تحفيظ القرآن الكريم وبعد دراسة متنوعة الاتجاه اختلطت بشظف العيش وألم الاحتياج طرد الطفل النابه من داخله معاني «التردد» وأصر على البحث عن عمل عاجل ليواجه «التزامات» الحياة فعمل بالبداية مع «الغواصين» رغم منعه لسنه الصغيرة واستمر حتى جمع أول «مال» في حياته عبارة عن «روبية» واحدة مقابل نصيبه من بيع «لؤلؤة» كانت العنوان الأول لحكاياته مع الصبر والبحر.

ثم تشكل في وجدانه «الإصرار» على هزيمة الحرمان بسبب قصص مؤلمة حاصرت طفولته في مهدها ثم تحولت إلى «إلهام» مفعم بروح الطموح والتحدي حيث تقدم إلى العمل بشركة أرامكو ولكن تم رفضه بسبب مشكلة صحية في إحدى عينيه فزادته الظروف قوة دفعته للعمل بإحدى المغاسل اليدوية مقيمًا وبراتب شهري مقداره خمسة ريالات.. وما بين مد الظروف وجزر الإصرار بدأ مع أخيه ورفيق دربه إبراهيم في «شراكة فالحة» كانت مزيجًا من الأثر والإيثار حيث أسس مغسلة متطورة وعرض خدماته على شركة أرامكو والمستشفيات والمطاعم والمساكن وقام بتوظيف عدد من الشباب وتعد مغسلة حديثة أوتوماتيكية أنشأها وهي المغسلة الوطنية بطاقة 10 آلاف رطل ثم أنشأ مصنعًا لإنتاج الألبان والعصائر والآيس كريم وأول مخبز لإنتاج الخبز ومشتقاته ثم قام باستيراد الأبقار من الخارج إلى السعودية، وأسس مزرعة خاصة لإنتاج الحليب الطازج وإنتاج الأعلاف وكان من بين الأوائل في تأسيس جمعيات خيرية في الوطن.

حرص المطرود على توظيف الشباب السعودي في مشروعاته وكان يعطي قروضًا طويلة الأجل لموظفيه دون أي «فوائد»..

أسهم المطرود في تأسيس نادي الخليج الرياضي برفقة زملائه سلمان العيد «أول رئيس للنادي» وعبد الله منصور اليوسف وجاسم سلهام وأخيه إبراهيم المطرود وكان من أكثر الداعمين والمشجعين للنادي، وللأندية الأخرى في المنطقة الشرقية.

قام المطرود بتأسيس صندوق سيهات للبر عام 1375هـ وتم الاعتراف به رسميًا في عام 1387هـ. وأسس المطرود مشروعًا لخدمة كبار السن والمعاقين والمرضى من فئات مختلفة تقدم لهم فيها خدمات الإيواء والغذاء والعناية الصحية.

وكان المطرود من المؤسسين والمشاركين في عضوية جمعية البر بالدمام، وعضو لجنة أصدقاء المرضى منذ تأسيسها، وعضو مجلس إدارة شركة سماد حتى 1412هـ، وكان عضوًا بمجلس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية ما يقارب 17 عامًا.

وفي عام 1412 أسهم -رحمه الله- في تأسيس مركز نسائي متكامل يقدم خدمات تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية النسائية في الخياطة والتفصيل والتطريز والحاسب الآلي واللغة الإنجليزية وتعليم فنون الإدارة والأعمال المكتبية.

ومن أكبر المشروعات الخيرية التي قدمها الراحل شراؤه أرضًا سكنية تقدر مساحتها بمليون ونصف المليون متر وقام ببيع جزء منها لإتمام مشروع خيري عليها في العام 2003م بتكلفة إجمالية تقدر 348 مليون ريال استفاد من مشروعها الخيري الاجتماعي والسكني أكثر من 1300 أسرة.

ونال -رحمه الله- عديدًا من الجوائز التقديرية والأوسمة التكريمية من أهمها جائزة الاستحقاق من الدرجة الأولى من الملك خالد تقديرًا لأعماله الإنسانية والخيرية وجائزة الأمير محمد بن فهد.

بعد المنافسة في السوق قرر المطرود اندماج شركته مع حسين العلي بشركة المتحدة للألبان كما قام بإنشاء وتنظيم وتشكيل مجلس إدارة لمجموعة شركة عبد الله وإبراهيم أبناء سلمان المطرود. كما حدد العلاقة بين المجموعة والشركاء في المجموعة لعدم حدوث أي خلافات وهذا ما تم حتى بعد وفاة الأخوين الشريكين.

انتقل المطرود إلى رحمة الله يوم الجمعة 22 يوليو 2005م وبوفاته فقد الوطن بشكل عام والمنطقة الشرقية على وجه الخصوص أحد الرجال الأوفياء المخلصين وأصحاب البصمات الخيرية والتنموية والاقتصادية المضيئة التي ستظل شاهدة على «حقبة» ساطعة في أفق الذاكرة.

عبد الله المطرود رجل الأعمال ووجه الجود ونموذج الصمود والقامة الوطنية الشامخة في متون العمل الخيري والضياء الوطني والنماء الاقتصادي.


error: المحتوي محمي