13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

عامل يقيم عندنا عقودًا من الزمن.. ما الذي يغريه؟

يوم الجمعة يوم هادئ قبيل طلوع الشمس، دقائق مع بائع الفول الأفغاني الذي يتكلم اللغةَ العربية بنسبةٍ جيدة جدًّا ما يرغبني في الحديث معه، إضافة لابتسامته وحسن كلامه. سألته: كيف تعلمتَ اللغةَ العربية وأجدت لهجتنَا بسرعة؟ قال: أنا هنا منذ خمس وعشرين سنة، ربما قال عشرين سنة ونسيت أنا! واحد من كثير من العمال والموظفين الذين تعرفت عليهم في حياتي قضوا سنوات شبابهم وكهولتِهم ولو استطاعوا البقاء كلّ أعمارهم عندنا ما زهدوا في ذلك، منهم من يبقى بيننا حتى يتوفاه الله، فماذا يا ترى يغريهم؟

لا تقل أكل العيش وحده! الإنسان يأكل الترابَ ولا يرضى بالمهانة والذلّ! إذن، طيب الطقس! بالطبع لا، البلدان التي يأتي منها أغلب العمال ذات طقس ألطف من طقسنا وأقل حرارة في فصل الصيف! قلّب الأسبابَ كيف شئتَ وأنى شئت:
لا تطلبِ الرّزق في الدّنيا بمنقصةٍ
فالرّزقُ بالذُّلِّ خيرٌ منه حِرْمانُ

أعتقد أن السبب الرئيس هو الاحترام والشعور بالأمان وطيبة الناس وحفظ حقوق العامل بالإضافة إلى حاجة العامل للعمل! قسم الله الأرزاق بحيث جعل أرزاق بعض الناس خارج أوطانهم. يخرجون شبانًا ولا يعودون إلا بعد أن يكبروا. هي الحاجة والمحبة، أما الحاجة وحدها فليست مقنعة ولا مغرية لأي إنسان لكي يغادر وطنه ويغتَرب عقودًا من الزمن. محبتنا واحترامنا لهم تجعلهم يعيشون بيننا في راحة واطمئنان.

هذه هي القيم التي نحملها في قلوبنا ويدعو لها ديننا ويلزم توفرها من أجل راحة كل عامل ومواطن؛ لا الطقس الجميل، ولا الراحة، ولا أكل العيش وحده. إن أيًا من المجتمعات ما لم يكن متمتعًا بهذه الصفات الجميلة والقيم الأصيلة لن يستطيع إقناع أحد أن يقيم فيه كل سنوات عمره. هذه الميزة ليست منّة منا على أحد إنما واجب وتكليف وقانون فماذا لو كنتُ أنا في غربة؟ كيف أحب أن يعاملني من أعمل عندهم؟ ماذا لو اغترب ابني أو ابنتي أو زوجتي؟

مهما يكن الأمر، الغربة كربة، ولو ترك القطا لغفا ونام! ما يخفف الكربة هو عدم الشعور بالدونية والهضم. يعيش العامل معنا حتى إذا ما سافر إلى وطنه حكى عنا حكايات جميلة عن حسن المعاملة. حكايات تحكي سر التعلق وحب العيش معنا عقودًا من الزمن. حكايات ليس فيها عنصرية ولا كراهية ولا ضياع حقوق.

أخيرًا، رغبت في هذه الخاطرة القصيرة شكر كل من يعمل ويقيم معنا وشكر من يفي لمن يعمل لديه؛ يؤدي إليه حقوقه كاملة غير منقوصة. عن شعيب: تكارينا لأبي عبد الله عليه السلام قومًا يعملون في بستان له، وكان أجلهم إلى العصر، فلما فرغوا قال لمعتب: أعطهم أجورَهم قبل أن يجف عرقهم!


error: المحتوي محمي