13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

قهوجي ابن البلد والباريستا!

في الأمثال العربية الشائعة: "كُل ما يعجبك والبس ما يعجب النَّاس" فليس مهمًّا عند الناس ما تأكل في بيتك إنما يهمهم ما تلبس وما تظهر به بينهم. في الزمن الحاضر صرنا نخبر الناس؛ ماذا نأكل وماذا نشرب؟ أين نسافر؟ ومن نصادق وأسرارنَا الخافية عن الناس، وننشر أخبار ذلك؛ شربت كذا، أكلت كذا، زرت تلك البلد، أخبار مشفوعة بصور يراها كل الناس! يا ترى ما الذي يدعونا لنظهر أسرارنا التي لا يعرف الآخرون شيئًا عنها ولا يعود لكل امرئ منّا في حياته بعض الأسرار؟

لم أكن حتى عهد قريب أعرف معنى كلمة "باريستا" والتي تعني، وقد نسختُ هذا التعريف من الشبكة العنكبوتية: "عامل تحضير القهوة أو عامل باريستا وقد يسمى رسام القهوة هو شخص، عادةً موظف في المقهى، يقوم بإعداد وتقديم مشروب القهوة بأنواعها". لم يسعفني الحظ بالجلوس في المقاهي واللعب في تلك السنوات كثيرًا. أقرب مسافة من كرسي المقهى كانت عندما أتلصص على مسلسل وضحة وابن عجلان من الخارج بعد صلاة المغرب أو أشاهد عن بعد كرة القدم العالمية باللون الأبيض والأسود. نصف ريال كان مبلغًا كبيرًا جدًّا، أكبر من قيمة دفتر!

في زمن سنوات صبانا كان الباريستا رجلًا من الديرة أو البلدة أو الجزيرة. يعرف الذين يخدمهم ويحضر مقهاه شرائح مختلفة من الناس؛ من يريد كوب شاي أو فنجان قهوة أو كوبًا من حليب البقر الطازج أو رأس تبغ من النرجيلة، والدفع هللات، نصف ريال آخر عهدي بقيمة كوب الشاي! الآن عندما يشدني بعض الأصدقاء أو الأقارب، وهي مرات قليلة في السنة، أو أنتظر إقلاع الطائرة أقتل بعض الوقت في كوب من مقهى.

سبحانه الذي يغير ولا يتغير، أما كل شيء آخر ليس عصيًّا على التغير؛ مفردات اللغة، عادات وثقافة المجتمعات، ثمن الأشياء، كل ذلك يتغير. شاهدت في هذه الأيام مقاطع مصورة لأحد المقاهي القديمة في القطيف وقد صار جزءًا من الشارع الذي توسع وتغيرت معالمه مبشرًا بإطلالة حديثة. هذه هي الحياة ينتهي زمان ويبدأ آخر! لعلي لست من الذين يتشبثون كثيرًا بأذيال الماضي فلكل زمان دولة ورجال وطريقة حياة ولا بد من التجديد والحداثة.

لا نستطيع نكران أن الاقتصاد والمال يغيران بشكل كبير ثقافة وعادات ونمط استهلاك المجتمعات حتى مذاق القهوة وطعمها صار عالميًا. ما كان في مقهانا الشعبي تغير؛ الجلاس والأحاديث والألعاب وما يبثه المذياع كلها تغيرت لأن الاقتصاد وما أدراك ما الاقتصاد وما يأتي معه قد تغير. لم يكن عندي نصف ريال أو خمسين هللة، ثمن قهوة وابني يصرف 50 ريالًا في اليوم ثمن ثلاثة أكواب من القهوة! عشرة أنواع من القهوة بينما القهوجي قديمًا كان لديه دلة قهوة واحدة وإبريق شاي واحد ومنقلة جمر واحدة!


error: المحتوي محمي