18 , يوليو 2025

القطيف اليوم

هيفاء الممرضة 

يقال بأن أول ممرضة عاصرت الجاهلية وصدر الإسلام هي (رفيدة أو كعيبة بنت سعد)، وكانت أسلمية ولكن اختلف في اسمها. فكانت تداوي جرحى غزوة الخندق ويقال بأنه بني لها خيمة لنقل الجرحى لها لتداويهم وقيل أيضًا حتى في خيبر؛ مما يعني أن للمرأة دورًا فعالًا جدًا وكاد يكون حصريًا عليها في مهنة التمريض. 

وهيفاء لم تكن ممرضة بمحض الصدفة فقد عاشت وعاينت أباها سعيد قريش حين كان يعمل في مستشفى صفوى العام لسنوات لا يستهان بها. ففي تلك الحقبة من الزمن ولقلة الخبرات والشهادات كان أبوها يشغل عدة وظائف في آن معًا مثل صيدلة، ومسؤول عن سكن الموظفين  والموظفات آنذاك -كانوا من دولة مصر الشقيقة- كما شغل مهنة التمريض ومساعدًا لا يستهان به في حقل التمريض. 

فكانت هيفاء تعيش مع كل تلك الأجواء بحذافيرها وفهمت ووعت تمامًا معنى التعاون ومساعدة الناس بغض النظر عن الشهادة والراتب، فعملت على ذلك المبنى في تفكيرها حتى كبرت وجاء القرار.

دخلت هيفاء بعد الدراسة معهد التمريض وكان والدها مرحّبًا بذلك القرار عكس كثير من الآباء والأزواج آنذاك لقلة سالكي تلك المهنة لما فيها من الاختلاط. 

اجتهدت هيفاء وتخرجت ممرضة لم تعرف في تفكيرها سوى مساعدة المجروح والمتألم ووضعت على عاتقها أنها تكون المهنة ذاتها لا منتمية لها فقط. عملت في مستشفى القطيف المركزي لعدة سنوات تكللت بالتضحية والحب والإشادة بها في جميع النواحي إلى أن شاء الله وحصلت ظروف الزواج والحمل وبين رفض ومنع وتحد استقالت هيفاء ودمها ينبض لتلك المهنة بحزن.

وبعد عدة سنوات عادت هيفاء منتصرة على تلك الظروف لتكمل سيرتها المشرفة في هذا السلك، كانت محبوبة من جميع من كان معها رجالًا ونساء وكانت عطوفة حنونة عليهم فلم تكن فقط الممرضة بل كانت الأم الحنون على الموظفين والموظفات الذين يصغرونها سنًا وكانت البنت الوفية لمن يكبرها عمرًا وكانت الأخت المتعاونة مع أندادها. وكانت كأبيها لم تشغل فقط مهنة التمريض بل مسكت الصيدلية لعدة سنوات وتطعيم داخل المستشفى وميدانيًا.

طوال فترة عملها في هذا السلك لم ترفض مهمة كلفت بها سواء في منطقتها أم خارج المنطقة وحتى تكليف الحج ومساعدة الحجاج تاركة بيتها وأطفالها مفضلة خدمة وطنها وحجاج بيت الله على ذلك. ولأنها أيضًا تمتلك أمًا حنون كانت مطمئنة عليهم لدى والدتها لتهب لخدمة الناس. 

طوال فترة وظيفتها لم تقل لا حتى رغم المشاكل والاختلاف والمعاملة السيئة التي كانت تتلقاها بالمقابل من بعض المدراء والمسؤولين والزميلات والزملاء وكأنهم يكافئونها على إخلاصها ووفائها لمهنتها بالحسد والمعاملة غير الطيبة في بعض الأحيان.

لم ترفض نقلًا يأمرونها به رغم إمكانية اختيار أخرى، لم تتأفف من دفع أموال من جيبها لتنقل أدوية أو أشياء تخص المرضى من موقع لآخر فلم يكن آنذاك مسموحًا بالقيادة. لم تعاند لرفض إجازة بعض الأحيان رغم حجزها وخسران تذاكر وما إلى ذلك.

أعطت من قلبها لهذه المهنة كل التضحيات التي يمكن للإنسان الواعي المدرك لمحاسبة النفس ومحاسبة الله أن يكون كاملًا فيما يقدمه مهما حصل من ضغوط بدنية ونفسية أبلغ التمام والكامل الله. 

لم تكن تنتظر مكافأة ولا هدايا ولا عطايا مقابل ذلك بل على العكس هي من كانت تنعم على هذا وذاك وتذهب يوميًا وأياديها التي تعالج المرضى بالأدوية وتضمد جراحهم هي نفس اليد التي تحمل القهوة والشاي ولا مانع من بعض الموالح والحلى من جيبها الخاص لتسعد من حولها سواء أكانوا زملاء أو مراجعين ويشهد بذلك كل من كان معها في أي موقع كان.

كانت تتكبد المصاريف الباهظة من طمع بعض السائقين من راتبها فقط كي لا تقول لا لمسؤوليها حين يوجهون لها مهمة في مكان ما أو تغطية فعالية ما. تضرب الظلم الذي كان يقع عليها طوال هذه الفترة بعرض الحائط ولا تدعو على أحد فقط كنا نسمعها تتمتم  "حسبي الله ونعم الوكيل" و "فوضت أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد". 

وإن حزننا عليها يومًا ما فهي من كانت تهدئنا فهي لم تكن ترى سوى أن الله يرى عملها  وكفى ممتثلة بقول الله {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم ونعم بالله.

لم تكن هيفاء سعيد قريش سوى ممرضة إنسانة مخلصة حتى آخر رمق لها في تلك المهنة، ففي يوم التمريض العالمي وفي كل يوم  شكرًا للممرضة ملاك الرحمة الإنسانة الحقة  (هيفاء سعيد قريش).


error: المحتوي محمي