وإن تذكرنا الماضي والماضين من الأحبة لا ننسى أن ننظر إلى الآتي الذي هو أهمّ. الدنيا حربٌ تطلب منا عدم الاستسلام! أشرقت الشمسُ وغربت اليوم وهكذا كل يوم. لن يقف الزمانُ على حزننا ولن تبكي معنا الأشجار ولا الأزهار ولا الطيور.
في يوم الجمعة -3 أيار/مايو 2024م- أرسلَ لي صديقٌ أبياتًا من الشعر يذكر فيها أحبته الذين رحلوا فقلت له: أخي كم هي قريبةٌ المسافة بين الحيّ والميت؟ من المؤكد أنك سافرت في الطائرة أو السيارة وعندما حان وقت وصول المحطة الأخيرة سبقك أحد المسافرين بعشر دقائق وثانٍ بخمس دقائق وسبقت آخر بعشرين دقيقة، وهكذا كل مسافر يصل وإن طال الطريق:
وما نحن إلا مثلهم غير أننا * أقمنا قليلًا بعدهم ثم نرحل
أما الأبيات التي أرسلها الصديق فهي من نظم الخطيب الشيخ أحمد بن حسون الوائلي الليثي الكناني (3 أيلول سبتمبر 1928- 14 تموز يوليو 2003):
ترحلَ أحبابي فما الدورُ بعدهم - وإن شمخ البنيانُ إلا مقابرُ
سُدًى كل ما في الأرض إلا أحبةٌ - تفيءُ لهم إن أرمضتكَ الهواجرُ
فإن رحلَ الأحبابُ عنكَ وأبعدوا - فأنتَ غريبٌ ما لديه أواصرُ
وفقد سراةِ الناسِ كارثةُ الدنَا - فماذا السما لولا النجومُ الزواهرُ
زحامٌ حشود الناسِ دون أحبةٍ - ولا زادَ فيهم يبتغيهِ المسافرُ
وقد أخذتْ مني القبورُ أحبتي - وأفردَني من كنتُ فيهم أكاثرُ
وبطنُ الثرى مأوى الكنوزِ ومهدها - فإن غيبَ التربُ الكنوزَ فعاذرُ
وللقبر بالجسمِ الكريمِ تفاخرٌ - كما للسرايا بالفتوحِ تفاخرُ
نستذكر أحبةً عشنا معهم ردحًا من الزمن، بهم كانت الدنيا مزهرة. ذهبوا وبقيت أرواحهم الجميلة وذكراهم الطيبة. تنتصب ذكراهم أمامنا في مرايا الأيام ونراهم كل حين فلا ننساهم أبدا! لكن ما الحيلة وماذا نفعل والله أراد الدنيا هكذا؟ ستين سنة أقل أو أكثر وتنتهي، ولا يستبعد أن لو طال بنا العمر كثيرًا ما استطعنا تحمل مصاعب الأيام!
تَعَبٌ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ
إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْنًا في ساعةِ المَوْتِ أضْعَافُ
سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
يا عمي يا سيدي يا صديقي: ابكِ على نفسك قبل أن تبكي على غيرك واستعدّ للرحلة الطويلة. خياران لا ثالث لهما يُجملهما الخليفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "إنك إن صبرتَ جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعتَ جرت عليك المقادير وأنت مأزور". الحياة قصيرة وهنيئًا لمن مات فاستراح:
لَيسَ مَن ماتَ فَاِستَراحَ بِميتٍ
إِنَّما المَيت ميت الأحياءِ
إِنَّما الميت من يَعيشُ كَئيبًا
كاسِفًا بالَه قَليل الرَجاءِ
ابك مهما شئت فما من شيء يعيد من ضمه التراب للحياة، لا البكاء ولا الصراخ ولا الألم يعيد الأحبة ولا دواوين الشعر تعيدهم. إنما الحيّ يرحل وعند الله يلتقي كلّ مشتاق ومحبّ!
في يوم الجمعة -3 أيار/مايو 2024م- أرسلَ لي صديقٌ أبياتًا من الشعر يذكر فيها أحبته الذين رحلوا فقلت له: أخي كم هي قريبةٌ المسافة بين الحيّ والميت؟ من المؤكد أنك سافرت في الطائرة أو السيارة وعندما حان وقت وصول المحطة الأخيرة سبقك أحد المسافرين بعشر دقائق وثانٍ بخمس دقائق وسبقت آخر بعشرين دقيقة، وهكذا كل مسافر يصل وإن طال الطريق:
وما نحن إلا مثلهم غير أننا * أقمنا قليلًا بعدهم ثم نرحل
أما الأبيات التي أرسلها الصديق فهي من نظم الخطيب الشيخ أحمد بن حسون الوائلي الليثي الكناني (3 أيلول سبتمبر 1928- 14 تموز يوليو 2003):
ترحلَ أحبابي فما الدورُ بعدهم - وإن شمخ البنيانُ إلا مقابرُ
سُدًى كل ما في الأرض إلا أحبةٌ - تفيءُ لهم إن أرمضتكَ الهواجرُ
فإن رحلَ الأحبابُ عنكَ وأبعدوا - فأنتَ غريبٌ ما لديه أواصرُ
وفقد سراةِ الناسِ كارثةُ الدنَا - فماذا السما لولا النجومُ الزواهرُ
زحامٌ حشود الناسِ دون أحبةٍ - ولا زادَ فيهم يبتغيهِ المسافرُ
وقد أخذتْ مني القبورُ أحبتي - وأفردَني من كنتُ فيهم أكاثرُ
وبطنُ الثرى مأوى الكنوزِ ومهدها - فإن غيبَ التربُ الكنوزَ فعاذرُ
وللقبر بالجسمِ الكريمِ تفاخرٌ - كما للسرايا بالفتوحِ تفاخرُ
نستذكر أحبةً عشنا معهم ردحًا من الزمن، بهم كانت الدنيا مزهرة. ذهبوا وبقيت أرواحهم الجميلة وذكراهم الطيبة. تنتصب ذكراهم أمامنا في مرايا الأيام ونراهم كل حين فلا ننساهم أبدا! لكن ما الحيلة وماذا نفعل والله أراد الدنيا هكذا؟ ستين سنة أقل أو أكثر وتنتهي، ولا يستبعد أن لو طال بنا العمر كثيرًا ما استطعنا تحمل مصاعب الأيام!
تَعَبٌ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ
إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْنًا في ساعةِ المَوْتِ أضْعَافُ
سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
يا عمي يا سيدي يا صديقي: ابكِ على نفسك قبل أن تبكي على غيرك واستعدّ للرحلة الطويلة. خياران لا ثالث لهما يُجملهما الخليفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "إنك إن صبرتَ جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعتَ جرت عليك المقادير وأنت مأزور". الحياة قصيرة وهنيئًا لمن مات فاستراح:
لَيسَ مَن ماتَ فَاِستَراحَ بِميتٍ
إِنَّما المَيت ميت الأحياءِ
إِنَّما الميت من يَعيشُ كَئيبًا
كاسِفًا بالَه قَليل الرَجاءِ
ابك مهما شئت فما من شيء يعيد من ضمه التراب للحياة، لا البكاء ولا الصراخ ولا الألم يعيد الأحبة ولا دواوين الشعر تعيدهم. إنما الحيّ يرحل وعند الله يلتقي كلّ مشتاق ومحبّ!



