13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

اليد البيضاء واليد الخضراء واليد السوداء!

هل تخيلت الأرض دون جبال وأودية؟ مساحات متشابهة التضاريس! كذلك هي أحوال الناس تتفاوت في المال والمعيشة، فينا من يملك مليارات - في قمة الغنى - وفينا من ينام في أوديةِ الفقر، فارغ البطن! 

تقول العرب الأيدي ثلاث: يدٌ بيضاء ويدٌ خضراء ويدّ سوداء، فاليد البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليد الخضراء في المكافأة على المعروف، واليد السوداء هي المنّ بالمعروف. يذكر في عطاء النبيّ محمد الله صلى الله عليه وآله أنه إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير وأعطى كلّ سائل.

مدح الله أناسًا فقال عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، يتنازلون عن حاجاتهم الشخصية لمن هم أعظم حاجة لها، يحرمون أنفسهم من أجل أن يكتفي إخوانهم، وهذه هي قمة الكرم والعطاء. يروى أن عيسى ابن مريم عليه السلام لما أن مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء فقال له بعض الحواريين: يا روح الله وكلمته، لم فعلتَ هذا وإنما هو من قوتك؟ قال: فعلتُ هذا لدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم.

سأل الحسنَ بن علي عليهما السلام رجلٌ فأعطاه خمسينَ ألف درهم وخمسمائة دينار، وقال: ائتِ بحمّال يحمل لك فأتى بحمّال فأعطى طيلسانه فقال: هذا كرى الحمال. وجاءَه بعض الأعراب فقال: أعطوه ما في الخزانة فوجدَ فيها عشرون ألف دينار فدفعها إلى الأعرابي فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي. فأنشأ الحسن عليه السلام:
نحن أناسٌ نوالنا خضلُ * يرتع فيه الرجاءُ والأملُ
تجود قبل السؤالِ أنفسنا * خوفًا على ماءِ وجهِ من يسلُ
لو علم البحرُ فضل نائلنَا * لغاضَ من بعد فيضه خجلُ

الجوع طعمه زفت ومرّ وأمر منه سؤال اللئيم. من الفقراء من يأكل بصلة، خبزةً مبلولة بماءٍ قراح، ولا يمد يده يشحذ منّانًا:
همتي هِمّةُ الملوكِ ونفسي *** نفسُ حُرٍ ترى المذلة كفرَا
أنا إن عشتُ لستُ أعدم قوتًا ***  وإذا متُّ لستُ أعدم قبرَا

أغنانا الله وأحببنا أن نعطي، نعطي دون منّة، ولا نتوقع عوضًا أكبر مما أعطينا، لأن المنة تحبط الأعمال الصالحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ}. الإمام علي بن الحسين عليه السلام يقول في دعائه في شهر شعبان: "وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك بما وسعت علي من فضلك". 

غاية المرام: قريبًا يهل هلال شهر رمضان المبارك. فينا الغني ومتوسط الحال وفينا من لا يستطيع أن يوفر ما يحتاج من طعام ومؤونة. التفاوت والفجوة في الأرزاق فرصة للأغنياء أن يردموهَا ويربَحوا "إن الله فرض على أغنياء الناس في أموالهم قدر الذي يسع فقراءهم فإن ضاع الفقير، أو أجهد، أو عرى فبما يمنع الغنيّ وإن الله عز وجلّ محاسب الأغنياء في ذلك يوم القيامة ومعذّبهم عذابًا أليما".


error: المحتوي محمي