27 , يونيو 2025

القطيف اليوم

تعلَّم كيف تقول: أقرر هذا ولا أختار ذاك

لقد خطر على بالي قبل بداية هذا النص أن أحتسي كوبًا من القهوة!                

سلام على من يقرؤني هنا، قرأت للكاتب الروائي ماركيز: إنه يكتب ليحبه أصدقاؤه أكثر، وهكذا أحاول أن أكتب ليتعرف علي القراء أكثر. لذا أشعر هنا برغبة عميقة، بأن أفتح قلبي وأجعله كتابًا مفتوحًا لمن يقرؤني هنا شاكرة للبعض سعة الصدر لمنحي بعضًا من الوقت لقراءتي. وقبل أن أطرح فكرة هذا النص، دعني أتحدث عن بعض قراراتي الصائبة والحاسمة وهي الفاصلة في حياتي، والتي اتخذتها بنفسي من دون تردد أو ندم.                                            

٠ كنت من أوائل الموظفات لدى شركة أرامكو، حيث تقدمت للالتحاق هناك بقرار مني شخصيًا على الرغم من حداثة سني حينها! ولأن معظم زميلاتي التحقن بالجامعات، لكوني لم أحصل على تقدير كافٍ يؤهلني للقبول بالجامعة (ولكني أثناء عملي انتسبت إلى كلية الآداب) وحينها لم أتردد في هذا الخيار الجريء! والذي يعده الكثير مخالفة لقيم ومبادئ وعادات المجتمع المحافظ! وكنت من السبق أن أحظى بهذه الخطوة ولكن الأكثر وجعًا أن أكون وبعض الزميلات ضحايا للقيل والقال على الرغم من أننا نعمل في حدود ما يوجبه العمل من دون إسراف أو تجاوز! ولم أتراجع عن قراري حتى تقاعدت.                               

. وبعدها قررت خوض تجربة رائدة ومميزة، ومن أجمل التجارب لأبدأ مشروعي التطوعي الإنساني بتدريس اللغة الإنجليزية لسيدات مجتمعي، بدروس أعددتها  لأترجم عشقي لعالم التطوع والذي كان حينها مفهوم العمل التطوعي غائبًا عند البعض! على الرغم من أن مسؤولية التطوع تقع على عاتق المجتمع والأفراد قبل أن تكون قيمًا وأخلاقًا! وكانت تجربة جريئة وناجحة ومثمرة على الرغم من أنني واجهت استغرابًا ودهشة وبعض الإعجاب أيضًا من هنا وهناك.                                                                                             

 
. قبل أن أبدأ بهذه الفقرة صدقًا شعرت بالارتباك، لأنني لا زلت أعيش لحظة الفوز بمن اختاره قلبي منذ عقود مضت، ولا تزال تلك اللحظة ندية، عندما قررت الارتباط بزوجي كانت هناك في نظر عائلتي خيارات أفضل وفرص سانحة وعلى الرغم من احترامي لوجهة نظرهم فإن قراري الحاسم أن لا أختار غيره! وكل ما أستطيع قوله: لقد سحرتني شخصيته المتزنة التي تبلغ حد الطهارة والإنسانية وكان هذا القرار الأهم والأغلى في حياتي.                                                                                                                  

وهكذا بين حين وحين، تتخذ العديد من القرارات الصغيرة والكبيرة طيفًا واسِعًا ومساحة شاسعة. فهناك قرارات مصيرية وحاسمة وجريئة، وهي المسؤولةُ عن هذا التبايُن الكبيرِ بين هذا وذاك من الناس حولنا. وعلينا أن نكون أكثر حرصًا وانتباهًا، لنكون أصحاب قراراتنا وصانعيها، وعلينا أن نتحمل مسؤولية نتائجها. على الرغم من أنه ليس من السهل دائمًا اتخاذ قرارات تتعارض مع ما هو مألوف أو شائع. حيث يشعر البعض من الناس بالتهديد والتوجس والعداء، عندما يتخذ المقربون منهم خيارات تختلف عن تلك التي يتخذونها. قد يكون الأهل والأصدقاء في حيرة من هذا الأمر، ويتخذون موقفًا دفاعيًا وأيضًا عدائيًا، عندما نختار بعض القرارات القوية والجريئة والمختلفة والخارجة عن المألوف. وقد يشعر الأصدقاء بالتخلي عنا أو انتقادنا إذا قررنا تغيير عاداتنا أو سلوكنا، حسب مفاهيمنا الشخصية. وفي الوقت نفسه، على جانبنا من السياج، من السهل أن نشعر بالإحباط والدفاع من دون تمرد، عندما نشعر بعدم الدعم وسوء الفهم، لمجرد أننا نفكر بأنفسنا. قد يكون من المرهق أن نضطر إلى شرح وإعادة إيضاح وجهات نظرنا وأسبابنا، بالتشبث بمبادئنا عند اتخاذ إحدى القرارات، والتي سترسم ملامح مستقبلنا، وتُشَكل حياتنا.

إن مجرد كون فكرة أو طريقة ما، لفعل الأمور الشائعة لا يعني أنها مناسبة للجميع! ومع ذلك، جزء من الطريقة التي يصبح بها شيء ما شائعًا، هو أن الكثير منا لا يأخذ الوقت الكافي لتحديد ما هو مناسب للبعض، والبعض منا ببساطة يفعل ما يفعله معظم الأشخاص الذين نعرفهم. بهذه الطريقة، يتم اتخاذ قراراتنا المتعلقة بالحياة بشكل افتراضي، مما يعني أنها ليست ما نسميها قرارات واعية. قد يكون هناك العديد من الخيارات الأخرى المتاحة، ولكننا لا نخصص دائمًا الوقت الكافي لاستكشافها. قد يكون هذا نتيجة للشعور بالإرهاق أو الضغط من قبل العائلة والأصدقاء والإنسانية بشكل عام، للقيام بالأشياء على طريقتهم، بالطريقة التي كانت تتم بها الأمور دائمًا. بغض النظر عن السبب، من المهم، بقدر ما نستطيع، أن نقرر بأنفسنا ما يجب أن نفعله في حياتنا بدلاً من الانجراف مع تيار الرأي العام.

وهنا يأتي دور القناعة والرضا والثبات والإصرار. من المفيد أن نكون مثابرين وواضحين بهدوء عندما نتواصل مع من حولنا عن سبب قيامنا بالاختيارات التي نتخذها. وفي الوقت نفسه، يحق لنا أن نقول إننا سئمنا الحديث عن ذلك ونحتاج ببساطة إلى احترام خياراتنا ضمن مبادئنا. حياتنا ملك لنا وكذلك قراراتنا. نعم هذه القرارات التي تعبِّر عن اختياراتنا وطريقة رؤيتنا لأنفسنا واحترامنا لها، تلعب دورًا كبيرًا في رسم شخصياتنا، ونمط حياتنا!  أولئك الذين يحبوننا حقًا سيقفون إلى جانبنا ويدعمون خياراتنا، بغض النظر عما هو شائع ومألوف، في المقابل هناك قرارات مصيرية في الحياة التي نتعرض ونواجه من خلالها إلى خطورة نتائج التجربة، فإما أن نسمو بها أو نسقط، فكيفما كانت النتيجة في النهاية هي نتيجة لقراراتنا.

كم من قرارات غير مدروسة استشعر أصحابها طعم البؤس والقهر والتعاسة والفشل والخيبة، وكم أخذت من أصحابها ملامحهم، وسلبت تفاصيل حياتهم بسوء قراراتهم! وماذا بعد غير التأسي والندم والحسرة!! إلى متى يستمر أصحابها مقيدين في زنزانة العناد والتمرد والمجازفة! لا بد من خطوة إيجابية للوقوف بثبات من جديد. ِنعم علينا أن ندرك أن في الحياة خيارات، وعلينا أن أن نفكر طويلًا باختراق وتجاوز حواجز الظروف ولكن! نحن بحاجة للجرأة والتحرر من التردد والقلق تفاديًا لمواجهة تجارب فاشلة بل أكثر فشلًا من السابق.

وأخيرًا، لنكن صناع القرار، ونحن من نصنع سعادتنا أو تعاستنا، نجاحنا أو فشلنا وذلك عندما نختار قراراتنا الصائبة الصحيحة بمبادئنا ليس إلا. 


error: المحتوي محمي