13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

حياتنا بين كفتي ميزان!

أُحيلَ الميزانُ القديم، ذو الكفتين، إلى التقاعد بعد ظهور جيل الموازين الإلكترونية. في سنوات صبانا كان ذلك النوع من الموازين الأوحد في السوق، يزن به البائع بحيث يضع الغرض في كفة والوزن المعروف في الكفة الأخرى - سنجة - من الحديد أو الحجر ومتى ما تعادَلت الكفتان تساوى الوزنان. كان الوالد - رحمه الله - وغيره من ذلك الجيل لديهم ميزان قديم كبير يزنون به المنّ (16 كيلوغرامًا) من الأسماك والروبيان والتمر والحبوب بالجملة، وميزان أصغر لما يباع بكميّات أقل.

رحم الله الباعة القدامى فلطالما كانوا يوفون الكيلَ والميزان لصالح المشتري براءةً للذمة. أحيانًا - في الصفقات الكبيرة - يرجح الوزن كيلوات لصالح المشتري! رائع جدًّا أن ترجح كفة الميزان لكن لا بأس أن تتساوى. كذلك حياتنا من الأفضل أن تكون إيجابية في كل أفعالها ولا بأس بالتعادل إن كان صعبًا أن تكون موجبة. حياتنا في ثلاث حالات: السالبة والموجبة والسكون ولكي تتضح الفكرة أذكر للقراء الكرام حالتين فقط؛ الاقتصاد والدين ويمكن القياس على هاتين الحالتين.

في الاقتصاد: الاعتدال في ميزان الإنفاق ومساعدة الآخرين. لا نكون بخلاء مغلولة أيدينَا إلى أعناقنا بخلًا وخشية من الإنفاق. ولا تكون مبسوطةً متجاوزة الحدّ المعقول في الصرف والبذل والعطاء، حتى لا تكون النهاية الملامة والابتعاد عن الناس، لا تفريط ولا إفراط: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}.

أما في الدين فالمحصّلة المطلوبة أن ترجح كفة الحسنات على كفة السيئات {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}. ثقل الموازين وخفتها يعني ثقل الأعمال وخفتها، ولا يهم كيف توزن الأعمال لأن الله عدل لا يجور وميزانه أدق الموازين. توزن صحائف أعمالنا - بطريقة ما - فإن كان فيها عمل صالح ثقلت، وإلا كانت خفيفة الوزن! على ذلك أقل "سنجة" في ميزان الأعمال هي الواجبات ويرجح الميزان بالمستحبات.

غاية المرام: حياتنا بين ميزان وسنجة؛ لا نشتري شيئًا، صغيرًا أو كبيرًا إلا وعليه الوزن الدقيق حتى الجرام الواحد. كان الإمام علي عليه السلام يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول: "معاشر التجار خذوا الحقّ وأعطوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتُحرموا كثيرَه". كذلك في يوم القيامة: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} ميزان حقّ ودقيق جدًّا والمرجو أن يثقل ميزانُ الحسنات على ميزان السيئات.

الغاية الإنسانية الأسمى هي الاعتدال في كل الأمور؛ سماحة اليد في العطاء وبراءة الذمة في موازين الدنيا {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ورجحان الأعمال الخيرة على الأعمال الشريرة في ميزان الآخرة!


error: المحتوي محمي