"ماجدولين" أو "تحت ظل الزيزفون" هي رواية من الأدب الرومانسي من تأليف الروائي الفرنسي ألفونس كار ونقلها إلى العربية الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي عام 1912م. ماجدولين هي قصة حب تقلبت فصولها بين الكثير من الأضداد؛ من واقع وخيال، وبؤس ورخاء، وفقر وغنى وغيرها من المفاهيم. لا غنى لأحد عن الحب، فالحب حاجة قد تفوق حاجة الإنسان للطعام والشراب في أحيانٍ كثيرة. وما بين الحب الأرضي الشائب وبين الحب السماوي الصافي حبل طويل يتسلقه كل المحبين، ولكن لا يصل إلى أعالي الكمال فيه إلا العشاق الصادقون الذين تجردوا من تعلقات الأنا الأرضية، ومطامع النفس غير المنتهية، وخلعوا جلباب المادية. ومع ما قيل عن الحب وما كُتب عنه منذ القدم إلى الآن إلا أنه يبقى من الأسرار الغامضة الغائرة في النفس البشرية الذي لا يمكن إدراك كنهه أو الإحاطة بمفهومه.
وعندما يكون الحديث عن الحب فهو لا يخلو من الخوف، الخوف من عدم تحققه، الخوف من فقدانه وزواله، الخوف من عدم جني ثماره وغيرها من صنوف الخوف. كانت ماجدولين خائفة ليس من الحب نفسه ولكن من تبعاته التي لا يمكن التكهن بها ومن البيئة المحيطة بها من عرف وثقافة عامة وأشخاص. وكذلك كانت مع رقتها وعذوبتها مرتابة قلقة لا يهدأ لها بال وتضع نفسها في موضع الشقاء فكانت تحدث نفسها متعجبة: "وأعجب ما أعجب له من أمر نفسي أنني أبكي على غير شيء، وأحزن لغير سبب، وأجد بين جنبي من الهموم والأشجان ما لا أعرف سبيله ولا مأتاه، حتى يُخيل إليَّ أن عارضًا من عوارض الجنون قد خالط عقلي، فيشتد خوفي واضطرابي. إن الذين يعرفون أسباب آلامهم وأحزانهم غير أشقياء؛ لأنهم يعيشون بالأمل ويحيون بالرجاء، أما أنا فشقيةٌ؛ لأني لا أعرف لي دواءً فأعالجه، ولا يوم شفاء فأرجوه".
أما ستيفن - البطل الآخر للرواية - فكان واثقًا من عواطفه، عارفًا بما يجول في خاطره، وواقفًا على عتبات قلبه، فكان يلاحق مشاعر الحب حتى إن لم يكن لها وجهة، لأن الحب في داخله حدثٌ كبير في كينونته ولا يكون لعالَمه طعم بلا مشاعر الحب فيقول: "إن اليوم الذي أشعر فيه بخيبة آمالي، وانقطاع حبل رجائي، يجب أن يكون آخر يوم من أيام حياتي، فلا خير في حياةٍ يحياها المرء بغير قلب، ولا خير في قلب يخفق بغير حب".
كان ستيفن يؤمن بأن الحب عاطفة عفوية وطبيعية جُبلت في طينة الإنسان، فيقول لماجدولين وهو يهدئ من روعها: "لا تخافي من الحب يا ماجدولين، ولا تخافي من غضب الله فيه، واعلمي أن الله الذي خلق الشمس وأودعها النور، والزهرة وأودعها العطر، والجسم وأودعه الروح، والعين وأودعها النور، قد خلق القلب وأودعه الحب، وما يبارك الله شيئًا كما يبارك القلبين الطاهرين المتحابين؛ لأنهما ما تحابا إلا إذعانًا لإرادته، ولا تعاقدا إلا أخذًا بسنته في عباده، فامددي إليَّ يدك، وأقسمي بما أقسم به أن نعيش معًا، فإن قُدِّر لنا أن نفترق كان ذلك الفراق آخر عهدنا بالحياة، فمدت إليه يدها فتقاسما وتعاهدا، وكانت الشمس قد انحدرت إلى مغربها فافترقا".
أما سبب حب ستيفن لماجدولين فهو لأجل الحب نفسه الذي وجده مخالطًا لماجدولين لا ينفك عن شخصيتها ومنطقها وأفكارها. ولهذا السبب ولهذه الحالة لم يستطع ستيفن أن يقاوم تلك الرغبة في الإفصاح لماجدولين عن هذا الحب الذي تمثل له في مَلكٍ بشريّ فكان يقول لها: "ويمكنني أن أقول لك إني ما نقضت - حتى الساعة - ذلك العهد الذي عاهدتك عليه، وإني لا أزال أحبك كما كنت؛ لأني ما كنت أحببتك لأجازيك على حب بمثله، ولا لأنك جميلة أو عاقلة أو ذكية، ولا لشيء مما يحب الرجال له النساء، بل أحببتك للحب نفسه".
كان ستيفن يملك نفسًا عالية لا تطلب السعادة في المال أو الجاه أو السمعة رغم أنه امتلكها جميعًا، ولكن السعادة عنده هي في الحب، والحب لا يكتمل إلا إذا وجد من يشاركه مشاعر الحب. فكان يقول في نفسه: "إنني لا أعرف سعادةً في الحياة غير سعادة النفس، ولا أفهم من المال إلا أنه وسيلةٌ من وسائل تلك السعادة، فإن تمت دونه فلا حاجة إليه، وإن جاءت بقليله فلا حاجة إلى كثيره. ماذا ينفعني من المال وماذا يغني عني يوم أقلب طرفي حولي فلا أرى بجانبي ذلك الإنسان الذي أحبه وأوثره، وأرى في مكانه إنسانًا آخر لا شأن لي معه، ولا صلة لقلبي بقلبه؟ فكأنني وأنا خالٍ به خالٍ بنفسي، منقطع عن العالم وما فيه".
الرواية فضاء تتموج فيه النفس كما يتموج البحر على الشاطئ فنشاهد أشكالًا مختلفة من الماء. قسم الروائي الفرنسي النفس إلى نفسين فقال: "النفس نفسان: مادية تقف عند مظاهر الحياة ومرائيها، وروحية تتغلغل في أعماقها وأطوائها، وأصحاب النفس الأولى هم أولئك الجامدون المتبلدون الذي يدورون في الحياة حول محاور أنفسهم ولا يحفلون بشيء فيها إلا بما يتصل بمطامعهم أو بشهواتهم، والذين إذا شغفوا بالجمال شغفوا به باعتبار علاقته بأجسامهم لا بنفوسهم. وأصحاب النفس الثانية: هم أصحاب الملكات الشعرية الذين صفت قلوبهم، فأصحبت كالمرائي المجلوة، فيتراءى فيها العالم بما فيه من خير وشر، ففرحوا بخيره وحزنوا لشره، ورقت أفئدتهم، فشعروا بألم المتألمين فتألموا معهم، وبكاء الباكين فبكوا عليهم، وخفت أرواحهم، فطاروا بأجنحتهم في آفاق السماء، وحلّقوا في أجوائها فأشرفوا على الطبيعة".
وحتى لا يطول سرد الأحداث ونقل الاقتباسات أتساءل في نفسي لماذا أتت ماجدولين في مثل هذا الوقت الذي تكثر فيه الحروب وتحتدم فيه الصراعات؟! كيف يمكن لمن يقرأها أن يشعر بدفء المشاعر فيها وأن يصل إلى عمق أسرارها. أنّى لمن يطالع أخبار القصف والدمار والحصار أن يقطف من غصن أشجارها المثمرة. لقد كان واضحًا من عينيك يا ماجدولين أنك نسمة دافئة في برد قارص وغيمة ممطرة فوق صحراء جدباء فكيف لـ"ستيفن" ألا تنقلب أحواله عندما التقاك وألا يهيم بحسنك عندما ارتشف من كأس قلبك الصافي. هل كانت رسائل عيناكما هي من أججت حرارة القلوب وتشابكت معها المشاعر أم أن الكلمات المكتوبة والمتبادلة هي التي قطّعت أوصال المسافات وتجاوزت الحدود والحواجز وجمعت بين الأرواح.
ماجدولين، رواية من الصعب على القارئ أن يتناساها بسهولة ليس فقط بسبب أحداثها أو شخصياتها بل كذلك لأن الذي نقلها إلى العربية هو يراع كاتب فذّ ألا وهو المنفلوطي الذي يتميز بالسلاسة والعذوبة وهو صاحب إحساس مرهف ينعكس بشكل واضح في أسلوبه في الكتابة. لذا ستبقى "ماجدولين" عالقة في ذاكرة قارئها ونغمة تتردد في آفاقه النفسية كنجمة تتلألأ كل ليلة في سماء صافية.

وعندما يكون الحديث عن الحب فهو لا يخلو من الخوف، الخوف من عدم تحققه، الخوف من فقدانه وزواله، الخوف من عدم جني ثماره وغيرها من صنوف الخوف. كانت ماجدولين خائفة ليس من الحب نفسه ولكن من تبعاته التي لا يمكن التكهن بها ومن البيئة المحيطة بها من عرف وثقافة عامة وأشخاص. وكذلك كانت مع رقتها وعذوبتها مرتابة قلقة لا يهدأ لها بال وتضع نفسها في موضع الشقاء فكانت تحدث نفسها متعجبة: "وأعجب ما أعجب له من أمر نفسي أنني أبكي على غير شيء، وأحزن لغير سبب، وأجد بين جنبي من الهموم والأشجان ما لا أعرف سبيله ولا مأتاه، حتى يُخيل إليَّ أن عارضًا من عوارض الجنون قد خالط عقلي، فيشتد خوفي واضطرابي. إن الذين يعرفون أسباب آلامهم وأحزانهم غير أشقياء؛ لأنهم يعيشون بالأمل ويحيون بالرجاء، أما أنا فشقيةٌ؛ لأني لا أعرف لي دواءً فأعالجه، ولا يوم شفاء فأرجوه".
أما ستيفن - البطل الآخر للرواية - فكان واثقًا من عواطفه، عارفًا بما يجول في خاطره، وواقفًا على عتبات قلبه، فكان يلاحق مشاعر الحب حتى إن لم يكن لها وجهة، لأن الحب في داخله حدثٌ كبير في كينونته ولا يكون لعالَمه طعم بلا مشاعر الحب فيقول: "إن اليوم الذي أشعر فيه بخيبة آمالي، وانقطاع حبل رجائي، يجب أن يكون آخر يوم من أيام حياتي، فلا خير في حياةٍ يحياها المرء بغير قلب، ولا خير في قلب يخفق بغير حب".
كان ستيفن يؤمن بأن الحب عاطفة عفوية وطبيعية جُبلت في طينة الإنسان، فيقول لماجدولين وهو يهدئ من روعها: "لا تخافي من الحب يا ماجدولين، ولا تخافي من غضب الله فيه، واعلمي أن الله الذي خلق الشمس وأودعها النور، والزهرة وأودعها العطر، والجسم وأودعه الروح، والعين وأودعها النور، قد خلق القلب وأودعه الحب، وما يبارك الله شيئًا كما يبارك القلبين الطاهرين المتحابين؛ لأنهما ما تحابا إلا إذعانًا لإرادته، ولا تعاقدا إلا أخذًا بسنته في عباده، فامددي إليَّ يدك، وأقسمي بما أقسم به أن نعيش معًا، فإن قُدِّر لنا أن نفترق كان ذلك الفراق آخر عهدنا بالحياة، فمدت إليه يدها فتقاسما وتعاهدا، وكانت الشمس قد انحدرت إلى مغربها فافترقا".
أما سبب حب ستيفن لماجدولين فهو لأجل الحب نفسه الذي وجده مخالطًا لماجدولين لا ينفك عن شخصيتها ومنطقها وأفكارها. ولهذا السبب ولهذه الحالة لم يستطع ستيفن أن يقاوم تلك الرغبة في الإفصاح لماجدولين عن هذا الحب الذي تمثل له في مَلكٍ بشريّ فكان يقول لها: "ويمكنني أن أقول لك إني ما نقضت - حتى الساعة - ذلك العهد الذي عاهدتك عليه، وإني لا أزال أحبك كما كنت؛ لأني ما كنت أحببتك لأجازيك على حب بمثله، ولا لأنك جميلة أو عاقلة أو ذكية، ولا لشيء مما يحب الرجال له النساء، بل أحببتك للحب نفسه".
كان ستيفن يملك نفسًا عالية لا تطلب السعادة في المال أو الجاه أو السمعة رغم أنه امتلكها جميعًا، ولكن السعادة عنده هي في الحب، والحب لا يكتمل إلا إذا وجد من يشاركه مشاعر الحب. فكان يقول في نفسه: "إنني لا أعرف سعادةً في الحياة غير سعادة النفس، ولا أفهم من المال إلا أنه وسيلةٌ من وسائل تلك السعادة، فإن تمت دونه فلا حاجة إليه، وإن جاءت بقليله فلا حاجة إلى كثيره. ماذا ينفعني من المال وماذا يغني عني يوم أقلب طرفي حولي فلا أرى بجانبي ذلك الإنسان الذي أحبه وأوثره، وأرى في مكانه إنسانًا آخر لا شأن لي معه، ولا صلة لقلبي بقلبه؟ فكأنني وأنا خالٍ به خالٍ بنفسي، منقطع عن العالم وما فيه".
الرواية فضاء تتموج فيه النفس كما يتموج البحر على الشاطئ فنشاهد أشكالًا مختلفة من الماء. قسم الروائي الفرنسي النفس إلى نفسين فقال: "النفس نفسان: مادية تقف عند مظاهر الحياة ومرائيها، وروحية تتغلغل في أعماقها وأطوائها، وأصحاب النفس الأولى هم أولئك الجامدون المتبلدون الذي يدورون في الحياة حول محاور أنفسهم ولا يحفلون بشيء فيها إلا بما يتصل بمطامعهم أو بشهواتهم، والذين إذا شغفوا بالجمال شغفوا به باعتبار علاقته بأجسامهم لا بنفوسهم. وأصحاب النفس الثانية: هم أصحاب الملكات الشعرية الذين صفت قلوبهم، فأصحبت كالمرائي المجلوة، فيتراءى فيها العالم بما فيه من خير وشر، ففرحوا بخيره وحزنوا لشره، ورقت أفئدتهم، فشعروا بألم المتألمين فتألموا معهم، وبكاء الباكين فبكوا عليهم، وخفت أرواحهم، فطاروا بأجنحتهم في آفاق السماء، وحلّقوا في أجوائها فأشرفوا على الطبيعة".
وحتى لا يطول سرد الأحداث ونقل الاقتباسات أتساءل في نفسي لماذا أتت ماجدولين في مثل هذا الوقت الذي تكثر فيه الحروب وتحتدم فيه الصراعات؟! كيف يمكن لمن يقرأها أن يشعر بدفء المشاعر فيها وأن يصل إلى عمق أسرارها. أنّى لمن يطالع أخبار القصف والدمار والحصار أن يقطف من غصن أشجارها المثمرة. لقد كان واضحًا من عينيك يا ماجدولين أنك نسمة دافئة في برد قارص وغيمة ممطرة فوق صحراء جدباء فكيف لـ"ستيفن" ألا تنقلب أحواله عندما التقاك وألا يهيم بحسنك عندما ارتشف من كأس قلبك الصافي. هل كانت رسائل عيناكما هي من أججت حرارة القلوب وتشابكت معها المشاعر أم أن الكلمات المكتوبة والمتبادلة هي التي قطّعت أوصال المسافات وتجاوزت الحدود والحواجز وجمعت بين الأرواح.
ماجدولين، رواية من الصعب على القارئ أن يتناساها بسهولة ليس فقط بسبب أحداثها أو شخصياتها بل كذلك لأن الذي نقلها إلى العربية هو يراع كاتب فذّ ألا وهو المنفلوطي الذي يتميز بالسلاسة والعذوبة وهو صاحب إحساس مرهف ينعكس بشكل واضح في أسلوبه في الكتابة. لذا ستبقى "ماجدولين" عالقة في ذاكرة قارئها ونغمة تتردد في آفاقه النفسية كنجمة تتلألأ كل ليلة في سماء صافية.




