18 , يوليو 2025

القطيف اليوم

على حب علي.. 

حين نحب أحدًا من وسط علاقتنا في محيط الأهل والأصدقاء المقربين وغيرهم ممن يدخلون قلوبنا نهتم كثيرًا بأن نكون حاضرين في مناسباتهم الشخصية خاصة مناسبة أعياد ميلادهم وعدم نسيان يومهم ولو بأمنية قلبية صادقة نتمنى لهم بها أن تكون سنتهم سنة مملوءة بالسعادة. 

وفي الغالب نترجم الأمنيات بهدية نتوقع أن ترسم عليهم ابتسامة فرح وسعادة وتبقى في ذاكرتهم خاصة إذا كانت من صنعنا وليست فقط سلعة جاهزة مغلفة قمنا بشرائها من أحد المحلات. 

فلا يهم في الهدايا قيمتها وكونها فاخرة وثمينة لأن مسّ التكلف بالهدايا قد يُفسد شيئًا من بريقها مع الأيام، بالطبع هناك تكلّف يليق ببعض الشخصيات التي تعجز عن مكافأة وجودها في حياتك وربما يعطيك غلاء قيمتها إحساسًا لمناسبتها لقيمة الشخصية الغالية على قلبك. 

لكن هناك هدايا تكون غالية بالحب الذي سكن في صنعها كالأعمال اليدوية أو الرسم أو خبز الكعك والحلوى والتي قد تستهلك جهدًا ووقتًا وحتى محاولات نسج الشعر أو نثر النثر حتى لو كانت غير متقنة مثل الجاهزة والمنمقة لكن جميعها حين يدخلها الحُب من القلب فهو يغمر مهديها قبل أن تصل المُهدى له وتعزز في وجوده شعور السعادة بالهدية. 

نحن نحب الهدايا ونحب إهداءها لمن نحب، لكن في زمننا أيضًا بات موضوع الهدايا موضوعًا مكلفًا خاصة لمن يكون ضعيف الحال فيكون أمام خيارين كلاهما مُر إما أن يتكلف ويشتري شيئًا قد يزعزع ميزانيته والتي قد لا تكفيه لنهاية الشهر "ليوجّب" أقاربه أو أصدقاءه، أو يفكر في اعتزال مناسباتهم منعًا للإحراج. 

وهذا الذي يحصل -مع الأسف- ففي العادة في أعياد الميلاد يخجل البعض من الذهاب لصاحب الميلاد بأيدٍ خالية ويهتمون كثيرًا لنظرته ونظرة الناس لهم وتسديد سهم البخل لصفاتهم فيها، وهناك قصص من الواقع لصداقات وتجمعات تفرقت من كثرة التكلف الذي قد يكون عند البعض هينًا وعند البعض الآخر يسبب فرقًا كبيرًا. 

الخجل من الناس بتقديم القليل لهم والذي قد لا يعجبهم كذلك ويكون بمنزلة عدم تقديم شيء، هو أمر يجعل ضعيف الحال يتكلف فوق طاقته ليجاريهم في عادات فرضها المجتمع عليه ليرسم ابتسامة مغصوصة بديون تنتظره، أو تجعله منعزلًا عن الناس ولومهم والذي لا أظنه يسلم من اللوم في كل الأحوال. 

بالطبع من هم بمقام النفس وتجمعنا معهم أخوّة لا صداقة عادية فهدية بسيطة أو كلمة من القلب كفيلة برسم بسمة من الوريد للوريد، وكما يقول مولى الموحدين أمير المؤمنين(ع): "شرُّ الإخوان مَنْ تُكلّف له" فالهدايا البسيطة والتي يعمل فيها القلب أكثر من المال فيها هي المطلوبة في علاقاتنا واستمرارها. 

وبعيدًا عن عوام الناس والخجل منهم هناك ما يستحق الخجل أكثر منهم فكثير ما نذهب لمناسبات ميلاد أهل البيت (ع) بأيدٍ خالية ونعود بأيدٍ ملأى عيانًا وغيبًا!

فهل داخلنا الحياء من صاحب الميلاد من فرط جوده وكرمه علينا من دون أن نقدم له هدية أو نوزع شيئًا بسيطًا لميلاده تعبيرًا عن حبنا له وعرفانًا بما قدمه لنا من هدايا وهِداية؟

بالطبع سادتنا لا ينظرون لمقدار التكلف بما نعطيهم ونقدم لهم وهم بالتأكيد لا يطلبونه، ولكن بقانون الحب والمودة الذي وضعه رسول الرحمة ﷺ: "تهادوا تحابوا"، نحن نحب إهداء سادتنا وأئمتنا لعلمنا بحبهم لنا من هداياهم التي تصل لنا من خلال تضحية وبذل وعلم ودعاء وتسهيل أمر وغيرها الكثير، وربما نلجأ لمقابلة هداياهم بهدية تتمثل في توزيع الحلوى، أو تقديم الوجبات أو المشروبات على حبهم، أو التشرف بخدمتهم في مجالسهم، أو عرض خدمات مجانية على شرف ميلادهم، وتفريغ النفس لأيامهم وجميعها تكون ترجمانًا للحب الذي يريدون إبرازه للعالم أجمع.

ونرى معاني الحب تتجلى في المواسم الولائية بأحزانها وأفراحها ولو كانت هناك بعض الأمور التي تخرج من النطاق الصحيح للحب والتعبير عنه للجهل بقدسية المناسبة وصاحبها، لكن تبقى مسؤوليتنا في المحافظة على الحب الأصيل وعدم الميل عنه.

هناك عادة جميلة لا تزال موجودة -ولله الحمد- بأيام المواليد يشتري بعض الأهالي التسالي والحلويات ليوزعها أبناؤهم في المدارس أو الروضات ليتشاركوا هذه التسالي والحلويات وتبقى في نفسهم فرحة المولد المبارك.

كلها أمور جميلة تجعل المولد بهيئة مهرجان بهجة للموالي الصغير والكبير حيث تغمرهم سعادة لا توصف في بذل الجهد والوقت والمال والولاء في حب مولاهم، وغاية مناهم هو قبول هديتهم المتواضعة في حقه.

وفي مولد أمير النحل ووليد الكعبة ووالدنا علي بن أبي طالب (ع) تعترينا الحيرة بسؤال أنفسنا ماذا سنقدم هدية له بميلاده الغالي على قلوبنا، لتكون هدية مميزة وتبرهن عن حُبنا الشديد له؟ فلو كنا نصوغ الشِعر فلن يكفينا ذهب العالم أجمع في صياغة محبته في أبيات القصائد، ولكن ثقتنا أن عينه على قلوبنا المُحِبة له فإن القليل مقبول طالما كان العطاء بأي نوع نختاره متوجًا من أعماق القلب وحتمًا ما خرج من القلب يدخل للقلب معلنًا راية القبول.

في ميلاد الزهراء (ع) نتمسك برواية تنجينا فيها نية "على حب فاطمة" حين نقدم عطاءنا في حبها، وعلي (ع) هو كفء فاطمة (ع) ولا أظن أن حبه لا يمسه نفس النتيجة فمن كسا عريانًا وأطعم جائعًا وقضى حاجة محتاج لحب علي (ع) لا أظن أن أميري علي (ع) يتركه.

فعلى حبك يا علي ننوي ونقول على حب علي سأقدم كذا، وعلى حب علي سأصنع كذا، وعلى حب علي سأتنازل عن كذا وكذا، لكن أظن أن أجمل شيء نعتقد أنه سيُدخل السرور على قلبه في مولده المبارك أن ننوي نية صادقة ونعلنها توبة في شهر تهيئة الروح ولو عن ذنب واحد فقط نظن أنه لا يليق بموالي علي (ع) في محضر قداسة ميلاده لنُولد معه في بيت الله الحرام وبجوار قلبه الأبوي الحنون لننعم بأمان وطهارة حبه دنيا وآخرة.

وحيث إني لا أجيد صنع حلوى تليق بتقديمها بميلاده وتكفي محبيه فإن بضاعتي هي كلماتي هذه في ميلاده وهي حلواي لمحبيه وعليهم التفضل عليّ بنشرها لعامة الناس ليغمرنا حب علي (ع) وتشملنا فيوضات عيد ميلاده.

وفي الختام، أقول الحُب ليس كلمة تقال وتردد بالمحافل بل هي مربوطة بقلب يعرف معناه ليثبته بالعمل.


error: المحتوي محمي