
كلما ساقتها قدماها نحو طريق الحارة الخلفي المتعرج.. شعرت بعيون تحدق بها.. وأكف تعبث بخصلات شعرها.. وكلما أسرعت الخطى أحست بأنفاس لاهثة أعلى من أصوت دقات قلبها المتسارعة..
لا تدري أهذه الأصوات موجودة حولها حقيقة؟ أم هي أصوات عقلها المتفجرة من دوي المعاناة التي تمر بها كل آن.. أصوات قهقهاتهم تصم أذنيها.. أليست ابنة الخادمة؟؟ يا رب لم أعد أحتمل !.. ولماذا أذهب للمدرسة حتى أقابل هكذا أناس؟! أليس الأجدر بي أن أجلس في البيت حتى لا تلتقي عينيَّ بعينيّ والدتي في المدرسة.. كم يؤلمني أن أراها تكنس وتمسح وتنظف فناء مدرستي كل يوم..
لقد انحنى ظهرها بشدة؛ لأنها تعودت أن تجمع الأوراق المتناثرة هنا وهناك.. والطالبات يجرين خلفها والأوراق تتطاير من حقائبهن.. لتسقط منهن عمدًا على أرضيه فناء المدرسة وأراهن والمتعة بادية على وجوههن وهن يرمقنني بنظرات الاحتقار.. فتتسارع دموعي منصبة على آكام عيني تفور وتتقاذف كما الحمم البركانية الحارقة..
يا إلهي أصوات ضحكاتهن تصم أسماعي.. أود لو أمسك أمي بيديّ وأهرب بها بعيدًا.. لا يمكنني أن أقسو عليها أبدًا مهما آلمني ما يحدث..
أمي وما أدراك ما أمي. مذ أبصرت عيناي النور لم أر وجهًا ملائكيًا كوجهها.. لا أتذكر الكثير من ملامح أبي فقد ودعنا إلى غير رجعة منذ زمن بعيد.. لم أعِ ذلك إلا حينما جاءت أمي ذات ليلة؛ تأملتني وكأنها تشفق على سنوات عمري الست من الخبر الصاعق الذي تحمله.. لكن للحظة لم أرَ أمي، بل رأيت ملاكًا متسربلًا بلباس أشجع الفرسان اقتربت مني احتضنتني وقالت: حبيبتي ما رأيك لو كنت لك أمًا وأبًا.. هل تمانعين في ذلك أم تساعدينني أيتها الفراشة الجميلة؟ عاهدتها وإلى اليوم وأنا متمسكة بالوفاء بوعدي لها لكني لم أعد أحتمل..
يا إلهي قلبي منهك ممتلئ بالأوجاع أعنِّي.. رفعت رأسي وقلت في نفسي ستروا من تكون ابنة الخادمة.. إن كلما تكن لن تزيدني إلا إصرارًا.. فأمي تستحق..
انطلقت نحو مكتب مديرة مدرستنا واستأذنت في الدخول عليها.. دخلت وقلت لها أريد أن أشكر والدتي أمام الجميع فهل أستطيع؟ قامت المديرة من على كرسيها وقالت: نعم يا ابنتي تستطيعين فأنت طالبة مؤدبة مجتهدة وتملكين الإصرار على إنجاز العمل مهما كانت صعوبته وأمك امرأة متفانية وتستحق كل خير.. وأرجو أن تقبلي مشاركتي معك..
في صباح اليوم التالي، طلبت المديرة من أمي أن تأتي لمكتبها لمساعدتها في تنظيف مكتبها.. حتى لا تنشغل بتنظيف الساحة وممرات المدرسة..
أما الطالبات فبدأت لديهن منذ ساعات الصباح الأولى معركة استدعاء أمي لتقوم بواجبها لكن لا مجيب لهن..
ومع نهاية اليوم الدراسي امتلأت الساحة بالكثير من الورق وعلب العصير الفارغة.. باءت جميع محاولاتهن بالفشل..
وعند نهاية الحصة الاخيرة وقفت المديرة في الساحة.. استدعت جميع الطالبات.. وقفن صفوفًا ثم استدعت أمي وطلبت منها أن تجمع النفايات أمام الطالبات.. خنقتني العبرة فلم يكن هذا اتفاقنا..
أخذت أمي تنجز عملها بكل إخلاص، أما أنا فقد انسابت دموعي كرشق زخات المطر.. أقبلت المديرة، نادتني ولكن صوتي غدا وكأنه آت من مكان بعيد، قلت بصوت متحشرج: نعم.. وسكت! قالت لي المديرة مبتسمة : سارة تكلمي إن صوت خرير الماء يطربني.. ثم أمسكت المديرة بيديّ أمي.. قبلتها وقالت إن صاحبة هاتين اليدين هي من تصنع لنا الجمال.. وتحافظ على صحتنا بالعمل الشاق الذي تقوم به يوميًا واجب علينا جميعًا شكرها وتقديرها.. فأهمية العمل تقاس بمدى أثره وفاعليته للمجتمع لا بنظرة المجتمع إليه..
والآن، أطلب منك يا أم سارة أن تجلسي على الكرسي وستقوم الطالبات بجمع كل النفايات من دون أي اعتراض فهذا البيت بيتنا جميعًا ونظافته مسؤولية الجميع..
لم أشعر إلا وشفتاي تبتسمان وعيناي تغرورقان بالدموع.. عانقت أمي فتدفق خرير المياه هادرًاوقلت بصوت مسموع: أحبك أمي أنت أثمن تاج على رأسي..
ثم انطلقت وأخذت أجمع الأوراق مع الطالبات وأنا أشعر بسعادة غامرة..
وبعد أن أصبح المكان نظيفًا، قالت المديرة أم سارة مطلوب منك تنظيف المكان فقط أول الدوام، ولن يسمح للطالبات بالخروج إلا إذا قمن بتنظيف المدرسة بالكامل نهاية الدوام..
وتقبلي من ابنتك هذه الهدية البسيطة.. نسيت أن أخبركم أن المديرة أعطتني باقة ورد وظرفًا به مبلغ مالي لوالدتي لتذهب به زيارة لمدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أسرعت احتضن أمي وأعطيتها الهدية وقلت أمام الجميع من دون خوف أو خجل: أمي حبيبتي أنت عندي أعظم أم في الدنيا وستفخرين بي يومًا ما أعدك.. لقد تدفق الماء يا أمي وأصبح مغتسلًا باردًا وشرابًا..
لا تدري أهذه الأصوات موجودة حولها حقيقة؟ أم هي أصوات عقلها المتفجرة من دوي المعاناة التي تمر بها كل آن.. أصوات قهقهاتهم تصم أذنيها.. أليست ابنة الخادمة؟؟ يا رب لم أعد أحتمل !.. ولماذا أذهب للمدرسة حتى أقابل هكذا أناس؟! أليس الأجدر بي أن أجلس في البيت حتى لا تلتقي عينيَّ بعينيّ والدتي في المدرسة.. كم يؤلمني أن أراها تكنس وتمسح وتنظف فناء مدرستي كل يوم..
لقد انحنى ظهرها بشدة؛ لأنها تعودت أن تجمع الأوراق المتناثرة هنا وهناك.. والطالبات يجرين خلفها والأوراق تتطاير من حقائبهن.. لتسقط منهن عمدًا على أرضيه فناء المدرسة وأراهن والمتعة بادية على وجوههن وهن يرمقنني بنظرات الاحتقار.. فتتسارع دموعي منصبة على آكام عيني تفور وتتقاذف كما الحمم البركانية الحارقة..
يا إلهي أصوات ضحكاتهن تصم أسماعي.. أود لو أمسك أمي بيديّ وأهرب بها بعيدًا.. لا يمكنني أن أقسو عليها أبدًا مهما آلمني ما يحدث..
أمي وما أدراك ما أمي. مذ أبصرت عيناي النور لم أر وجهًا ملائكيًا كوجهها.. لا أتذكر الكثير من ملامح أبي فقد ودعنا إلى غير رجعة منذ زمن بعيد.. لم أعِ ذلك إلا حينما جاءت أمي ذات ليلة؛ تأملتني وكأنها تشفق على سنوات عمري الست من الخبر الصاعق الذي تحمله.. لكن للحظة لم أرَ أمي، بل رأيت ملاكًا متسربلًا بلباس أشجع الفرسان اقتربت مني احتضنتني وقالت: حبيبتي ما رأيك لو كنت لك أمًا وأبًا.. هل تمانعين في ذلك أم تساعدينني أيتها الفراشة الجميلة؟ عاهدتها وإلى اليوم وأنا متمسكة بالوفاء بوعدي لها لكني لم أعد أحتمل..
يا إلهي قلبي منهك ممتلئ بالأوجاع أعنِّي.. رفعت رأسي وقلت في نفسي ستروا من تكون ابنة الخادمة.. إن كلما تكن لن تزيدني إلا إصرارًا.. فأمي تستحق..
انطلقت نحو مكتب مديرة مدرستنا واستأذنت في الدخول عليها.. دخلت وقلت لها أريد أن أشكر والدتي أمام الجميع فهل أستطيع؟ قامت المديرة من على كرسيها وقالت: نعم يا ابنتي تستطيعين فأنت طالبة مؤدبة مجتهدة وتملكين الإصرار على إنجاز العمل مهما كانت صعوبته وأمك امرأة متفانية وتستحق كل خير.. وأرجو أن تقبلي مشاركتي معك..
في صباح اليوم التالي، طلبت المديرة من أمي أن تأتي لمكتبها لمساعدتها في تنظيف مكتبها.. حتى لا تنشغل بتنظيف الساحة وممرات المدرسة..
أما الطالبات فبدأت لديهن منذ ساعات الصباح الأولى معركة استدعاء أمي لتقوم بواجبها لكن لا مجيب لهن..
ومع نهاية اليوم الدراسي امتلأت الساحة بالكثير من الورق وعلب العصير الفارغة.. باءت جميع محاولاتهن بالفشل..
وعند نهاية الحصة الاخيرة وقفت المديرة في الساحة.. استدعت جميع الطالبات.. وقفن صفوفًا ثم استدعت أمي وطلبت منها أن تجمع النفايات أمام الطالبات.. خنقتني العبرة فلم يكن هذا اتفاقنا..
أخذت أمي تنجز عملها بكل إخلاص، أما أنا فقد انسابت دموعي كرشق زخات المطر.. أقبلت المديرة، نادتني ولكن صوتي غدا وكأنه آت من مكان بعيد، قلت بصوت متحشرج: نعم.. وسكت! قالت لي المديرة مبتسمة : سارة تكلمي إن صوت خرير الماء يطربني.. ثم أمسكت المديرة بيديّ أمي.. قبلتها وقالت إن صاحبة هاتين اليدين هي من تصنع لنا الجمال.. وتحافظ على صحتنا بالعمل الشاق الذي تقوم به يوميًا واجب علينا جميعًا شكرها وتقديرها.. فأهمية العمل تقاس بمدى أثره وفاعليته للمجتمع لا بنظرة المجتمع إليه..
والآن، أطلب منك يا أم سارة أن تجلسي على الكرسي وستقوم الطالبات بجمع كل النفايات من دون أي اعتراض فهذا البيت بيتنا جميعًا ونظافته مسؤولية الجميع..
لم أشعر إلا وشفتاي تبتسمان وعيناي تغرورقان بالدموع.. عانقت أمي فتدفق خرير المياه هادرًاوقلت بصوت مسموع: أحبك أمي أنت أثمن تاج على رأسي..
ثم انطلقت وأخذت أجمع الأوراق مع الطالبات وأنا أشعر بسعادة غامرة..
وبعد أن أصبح المكان نظيفًا، قالت المديرة أم سارة مطلوب منك تنظيف المكان فقط أول الدوام، ولن يسمح للطالبات بالخروج إلا إذا قمن بتنظيف المدرسة بالكامل نهاية الدوام..
وتقبلي من ابنتك هذه الهدية البسيطة.. نسيت أن أخبركم أن المديرة أعطتني باقة ورد وظرفًا به مبلغ مالي لوالدتي لتذهب به زيارة لمدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أسرعت احتضن أمي وأعطيتها الهدية وقلت أمام الجميع من دون خوف أو خجل: أمي حبيبتي أنت عندي أعظم أم في الدنيا وستفخرين بي يومًا ما أعدك.. لقد تدفق الماء يا أمي وأصبح مغتسلًا باردًا وشرابًا..