26 , يونيو 2025

القطيف اليوم

من صفوى.. د. ماهر السيف: الادخار ليس شكلًا من أشكال البخل.. والتحوّط مبدأ إسلامي

تحدث الخبير المالي الدكتور ماهر السيف عن التحوّط من منظور إسلامي، وعدم الإسراف مستشهدًا بآيات من القرآن الكريم وذلك خلال محاضرة ألقاها بعنوان "الادخار والتحوّط مبدأ إسلامي" عبر موقع الاواصل الاجتماعي العالمي إنستقرام.

وعرّف السيف خلال محاضرته التحوّط بأنه الحيلولة دون وقوع الخطر، مؤكدًا على أن الرأسمالية والاشتراكية كنظامين اقتصاديين منفصلين لا يتناسبان مع تعاليم القرآن الكريم.

وأضاف أنه ثبت من خلال الأزمات الاقتصادية العالمية التي عصفت بالرأسمالية والاشتراكية أن المخرج منها هو الاقتصاد الإسلامي، وقال: "لذلك لابد من وجود نظام مالي خاص يكون متماشيًا مع تعاليم القرآن الخاصة بالتعامل مع المال وإدارته في البلاد والمجتمعات والأسرة".

واستشهد بالآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) التي يحدث بها الله سبحانه وتعالى الإنسان عن عدة ابتلاءات ليحثه على أخذ الحيطة والحذر قبل فوات الأوان حيث يتضح من الآية الكريمة أنه يجب الحذر من الخوف بتوفير سبل الأمن والأمان، ومن الجوع بتخزين المواد الغذائية لمدة معقولة، ومن نقص المال بالادخار والتحوّط، ومن نقص الأنفس (الموت) بالرجوع إلى الإيمان.

وذكر أن الإسراف يؤدي إلى الفقر بدليل قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، مبيّنًا أن بسط اليد يؤدي إلى الفقر والذي بدوره يؤدي إلى الندم والحسرة.

وأضاف أن الإسراف يؤدي إلى الهزيمة مستشهدًا بقولة تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) معلقًا بقوله: "إن القوة هنا تعني القوة الاقتصادية والتي يمكن بها مجابهة جميع الأزمات، ومن لا يملكها سيكون تحت الضغط والذل".

ونوه بأن الإسراف يؤدي إلى ضياع المال بدليل قوله تعالى (وَلَا تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ)، مبيّنًا أن السفيه هنا تعني عدم قدرة الشخص على إدارة المال لأن إعطاءه المال يؤدي إلى صرفه في غير مكانه.

وألمح إلى أن الإسراف يؤدي إلى الخروج من حب الله بدليل قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، مضيفًا أن الإسراف يؤدي إلى مخاواة الشياطين بدليل قوله تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).

وأردف الدكتور السيف بأن التحوط لا يقتصر على المال فقط بل يمتد إلى كثير من أمور حياتنا وضرب أمثلة على ذلك بـ التأمين الطبي وتأمين السيارة وبناء سور البيت، كما ذكر في حديثه أن النبي عليه الصلاة والسلام وضع الرماة فوق الجبل تحوّطًا من العدو وعندما لم يلتزم الرماة بالأوامر خسر المسلمون، وشرح كيف تحوط المسلمون بالخندق في حروبهم.

وشدد على أن الجهل المالي والتفريط المطلق في المال يرتبط ارتباطًا وثيقًا وضروريًا بضياعه حيث إن التعامل المبني على عدم التبصير والرؤية في إدارة المال لا يترتب عليه سوى الخسارة المالية.

وبيّن أن الفهم الخاطئ الذي قد يتداوله البعض في تفسير الآية الكريمة (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) لِما قد يظنه البعض خطأً أنه إشارة أو تصريح بالإسراف أو التبذير قد قننه الله تعالي بقوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، حيث بيّن أن من صفات المؤمن الاعتدال بين الإنفاق والإمساك وعدم الأخذ بجانب وترك الجانب الآخر.

وأوضح السيف أن الادخار ليس شكلًا من أشكال البخل وأن القرآن الكريم حثّ على القِسط في الإنفاق وكذلك في الادخار حيث قال تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)، مشيرًا إلى الاعتدال بقوله تعالى (وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) أي بين الإنفاق والادخار؛ ولذلك أكد أن الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي المالية يمكن أن تشكل قوة اقتصادية لا تتأثر بالأزمات.

وضرب الدكتور مثالًا بقصة النبي يوسف عليه السلام وقتما جاءت أزمة القحط وقال: "بالرغم من إمكانية وجود حلول عدة لإدارة أزمة القحط التي مرت بمصر آنذاك إلا أن النبي يوسف اختار أقومها وأفضلها وهو الاقتصاد والتحوط وعدم الإسراف فقوله تعالى (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ) يعني المحافظة وادخار ما بين أيدينا الآن لإدارة الأزمات التي يمكن أن تحدث في المستقبل"، متابعًا: "وقوله تعالى (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ)، وقوله (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) بعني أن الادخار المُسْبق كان بمثابة نجاة لِما حدث في أزمة القحط والذي أيضًا كان يمكن أن يكون هلاكًا إذا تم التغافل عنه؛ لذا فالادخار يمكن أن يشكل لدينا أيضًا درعًا واقية من الوقوع في أزمات الدَيْن والاقتراض وغيرها والتي بلا شك ستوقعنا في حلقة مفرّغة من الاضطرابات".

وحث الدكتور السيف في نهاية المحاضرة على معرفة متطلباتنا ورغباتنا، مؤكدًا أنه يتوجب علينا أن ننفق فيها بقدر معلوم، مبينًا أن التطرق لمثل هذه الطرق من الديون والاقتراض وغيرها يمكن أن يستشفه منا أبناؤنا، محذرًا في الوقت نفسه من الوصول لمثل تلك الحالات.


error: المحتوي محمي