13 , ديسمبر 2025

القطيف اليوم

ربما تجزع النفوسُ من الأمرِ * له فرجةٌ كحلِّ العقالِ

القارئ الكريم والقارئة الكريمة، أجزم أنه مرت بكم أزمة قلتم عنها: هذه مصيبة كبيرة، لم أتوقع أنها ستكون بهذا الحجم! كيف أَتخلص منها؟ ومن يخلصني؟ فإذا بسرعة المقادير تفاجئك بأن ما اعتقدته محض شرّ كان محضَ خير وأن الله كان أسرع مما تظن في تغيير المقادير. كلنا تمر بنا أزمات وامتحانات في الحياة:

يَا قَلِيل العزاء فِي الْأَحْوَالِ ... وَكثير الهمومِ والأوجالِ 
لَا تضيقنّ فِي الْأُمُور فقد ... يكْشف غمّاؤها بِغَيْر احتيالِ 
صبِّر النَّفس عِنْد كلِّ ملمٍّ ... إنّ فِي الصَّبْر رَاحَة الْمُحْتَالِ 
ربّما تجزع النُّفُوسُ من الْأَمر ... لَهُ فرجةٌ كحلِّ العقالِ

يأتي الفرجُ في صورٍ محسوسة -نراها- وغير محسوسة، لا نراها؛ مريض يشفى، فقير يستغني، غائب يعود، مئات الأحوال يضيق عن وصفها المقال ولا يضيق عنها الفرج من الله! عن رسول الله -صلى الله عليه وآله-: "إن الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء كما يتعهد أهلُ البيت سيدهم بطرف الطعام".

شأننا العجلة! لكن الله -العظيم- يفعل الأشياءَ العظيمة كما يشاء وفي الوقت الذي يشاء! ما علينا سوى العمل في حلّ ما استعصى والبوح بالعجز له سبحانه، فهو لا بدّ أن يفعل شيئًا!

كل هذه المقدمة لأقول: هناك شواهد كثيرة نراها ونسمع عنها ونقرأ عنها كلّ يوم تدلّ على أن لا شدة تدوم ولا بهجة تدوم. عن الإمام علي -عليه السلام-: "عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء". فإذا جاءت البلوى علينا أن نسارع إلى الشكوى، ليس للعباد، إنما إلى من يعرف أسرارَ القلوب ومن له الأمر والتدبير:

إِنَّما الدُنيا هِباتٌ
وَعَوارٍ مُستَرَدَّه
شِدَّةٌ بَعدَ رَخاءٍ
وَرَخاءٌ بَعدَ شِدَّه

من ساعة إلى ساعة فرج! من يتبصر في أحوال الناس والدنيا يصيبه العجب من بعض البلايا، وكيف يكشفها الله سبحانه وتعالى! لكن لم العجب والله أقرب من حبل الوريد؟ غاية المرام: إذا ضاق صدرك وعجز صبرك عما بك، الليل طويل في هذه الأيام، والمحراب أقرب الطرق إلى الله الذي بشر يعقوبَ -عليه السلام- بأن يوسف -عليه السلام- حيّ يرزق وأرسل رائحته وقميصه، لقادر أن يرسل روائح الفرج ويلبس من يدعوه أقمصة الإجابة!

وجدتُ في بعض الكتب رواية أن جبريل -عليه السلام- هبط على يعقوب -عليه السلام-، فقال له: يا يعقوب، تملق إلى ربك. فقال: يا جبريل، كيف أقول؟ فقال: قل: يا كثيرَ الخير، يا دائمَ المعروف. فأوحى الله إليه، لقد دعوتني بدعاء، لو كان ابناكَ ميتين، لأنشرتهما لك!


error: المحتوي محمي