14 , يونيو 2025

القطيف اليوم

غذاؤنا في عصر السرعة «3».. عُسر الهضم خطر يواجهنا.. كيف نتجنبه؟

الأكل وظيفة طبيعية، علينا أن نقوم بها، ومن حقنا أن نستمتع بها، ودائمًا ما ينصحك علماء التغذية بألا تقبل على تناول طعامك وأنت مهموم أو حزين كوسيلة لتفريغ طاقات الإحباط والكآبة الموجودة بداخلك، وألا تشغل ذهنك بأي نشاط آخر أثناء تناول وجبة الغذاء مثل القراءة أو مشاهدة التلفاز أو الانشغال بالجوال، لتستحضر وعيك أثناء تناول الطعام، مما يعجل الشعور بالشبع، ويجب تناولك للطعام وأنت تشعر بجوع محتمل لتكون لديك الإرادة في اختيار نوعيات الأطعمة وتناولها بالكمية المسموحة لك، والواقع أنه كلما زاد استمتاعنا بالأكل غدا هضم الطعام أسرع، ولكن إذا أعقب المتعة التي نشعر بها ونحن على المائدة ضيق وتوعك، كان ذلك دليلًا على أننا فعلنا شيئًا خاطئًا. فتناول وجبة كاملة في وقت وجيز يؤدي بالضرورة إلى الإسراع في التهامها، وهذا الإسراع تكون نتيجته الحتمية ضغط على المعدة بدخول كمية كبيرة من الهواء، تتكتل في المعدة إلى جانب كتلة الطعام، وتكون النتيجة تلك الأصوات و"القرقرة" التي يسمعها الآخرون أحيانًا، فضلًا عما يشعر به الشخص من ضيق وألم.

إن أعراض "عدم رضاء" المعدة السليمة عن وجبة أكلناها كوجود غازات وتجشؤ وانتفاخ، وما إلى ذلك هو بمنزلة رسائل تحذيرية تنبهنا إلى الخلل الذي قد يكون في اختيارنا أو في قرارنا، الرسائل تحذرنا من أن هناك أمرًا ما غير مناسب لنا أو من خطر يواجهنا إذا كررنا مثل هذه الوجبة بالنوعية والكمية التي أكلناها. الواقع أن التغلب على تلك الأعراض ممكن جدًا باتباع الوصايا الصحية اللازمة، ودون اللجوء إلى الأدوية والعقاقير المزيلة للحموضة والطاردة للريح والغازات وغيرها، فمن عوارض عسر الهضم: الحرقة في المعدة، الشعور بضيق في الصدر، انتفاخ البطن، الغازات الزائدة، الاسترواح، الشعور بالقيء والغثيان، إضافة إلى حدوث نوبات من الإسهال الحاد، أو الإمساك المزمن، ولعل أفضل وسيلة لتلافي تلك المنغصات والآلام التي قد تفسد علينا هناء الطعام، تكمن في استبعاد الأنواع والطرائق التي لا تطيقها معدتنا. 

إن أي نوع من أنواع الطعام لا تستسيغه المعدة، ينبغي أن يكف المرء عن تناوله، فأنواع الطعام كثيرة وأشكالها متنوعة بحيث يمكن إبعاد واحد أو أكثر من قائمة طعامنا، وكما أن مضغ اللقمة مضغًا جيدًا من العوامل المهمة الواقية من اضطرابات الهضم، حيث إن المضغ الجيد والبطيء وعلى دفعات صغيرة، يسمح بمزج الطعام باللعاب، الذي يسمح بتحويل النشا إلى سكريات أسهل هضمًا، والمضغ الجيد يهيئ المعدة لإفراز العصائر الهاضمة، ويحول دون سرعة التهام الطعام والإفراط فيه دون وعي!.

عندما نطرح مفهوم "الشبع" فإن تداعيات كثيرة تروح وتجيء في الذهن، هل نحن نأكل حتى تمتلىء بطوننا؟! إن إحدى مصائبنا الغذائية التي تجعلنا في أحضان "المعمعة" الدوائية أننا لا نجوع.. لا نجوع بالقدر الكافي لاستحقاق وجبة طعام.. لا نجوع ولله الحمد، والأسوأ أننا دائمو الشبع، بل أزعُم أننا نأكل كثيرًا لأننا تعودنا على تناول الطعام في دقائق محدودة، ودون التقيد بأوقات محددة. واعتياد الجسم على أن تصله كميات كبيرة من الطعام، يتجلى في الشعور بالملل أو الطفش، يدفع البعض إلى الرغبة في بلع كميات كبيرة جدًا من الطعام دون أي إحساس. فقد أظهرت نتائج دراسة بينت أن التعرض للمزاج السالب أي تعكر المزاج أفقد الإحساس بضرورة التحكم في تناول الطعام، لا ترتكب خطأ في ملء معدتك بالطعام مهما كان وكيفما كان، وتذكر أن شهيتك وهضمك يجب أن تتكيف بحسب متطلبات راحة أعصابك، فلا تأكل من دون حاجة للأكل، ومن دون أن تكون جائعًا، ولا تترك نفسك حتى الشبع بل اترك مساحة للطعام وأخرى للشراب ومساحة للحركة والنفس لكي تشعر بالخفة والنشاط حتى بعد تناول الوجبة، وإياك أن تملأ معدتك بكميات كبيرة من أطعمة محددة، بحجة أن هذه الأطعمة تلذ لك وترضي ذوقك وشهيتك، فالإفراط الشديد في تناول الطعام يشكل عبئًا على المعدة، ويسبب بدوره الشعور بالغثيان والخمول وعدم القدرة على العمل والتفكير، وتقسّي القلب وتمنع الرقة، قال لقمان الحكيم لولده: "يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة". 

كما أن الاستهلاك المفرط للطعام يجهد عملية التصريف الطبيعية ويتسبب في حدوث التخمة، وبالتالي فإن إقبالك على غذاء الروح يقل كثيرًا. إذًا "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه" أي يكفي الإنسان أن يأكل دون الشبع، فالأكل إلى حد الشبع مضر بالجسم والعقل والروح، ويجعل الإنسان متعبًا وخاملًا، فيبعده ذلك عن التفكر والتدبر، وهكذا تتكامل عوامل الروح مع غذاء الجسم، من هنا ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر إلى سلوكياتنا الغذائية ككل، لقد بدأنا ندرك أن أساليبنا في التغذية غير صالحة، ولجأنا بالاختيار الصحيح لنوع الغذاء وتحضيره وكميته وكيفية تناوله وتوفير مكان مريح وهادىء يجنبنا أعراض سوء الهضم وآلام المعدة والأمعاء وقسوة القلب التي يشتكي منها الكثير من الناس.

وبصورة عامة الأكل الزائد عن حاجة الجسم يؤثر على حالة الإنسان النفسية والصحية، معظم الناس لا يدركون ما نتيجة أن ينكبوا على الطعام ويأكلون بنهم، فالصحة تعتمد على ما تضعه في جوفك، قد يكون من المناسب تقليل الأكل اليومي، فالجسم يتأقلم بكمية الطعام التي نأكلها مع مرور الوقت مما يجعل تأثيرها معدومًا تمامًا، هذه هي المعادلة ببساطة مع هذه الصورة العامة.
نحن نهتم بالكم أكثر من الكيف، نأكل ونكثر من الأكل ولا ننتبه لنقطة مهمة وهي أن ديننا الحنيف أوصانا بالاعتدال في الأكل "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".

وقد يسبب لك الغضب والتوتر الناتجان عن ضغوطات الحياة تأثيرات ضارة، ما قد تحرمك من التذوق والاستمتاع بطعامك، وتذهب بالفائدة المرجوة منه، لذلك استسلامك للتفكير أو القلق أو الحزن أو تشاجرك مع زوجتكَ (أو زوجكِ) وأنت جالس على المائدة، تكون من أسهل الطرق للقضاء على شهيتك وإصابتك باضطرابات هضمية وإعاقة هضم ما تتناوله من طعام، وربما يصل الأمر إلى حدوث تعقيدات في الجهاز الهضمي، قد يقود إلى قرح معدية ومعوية -لا سمح الله- فكلما كانت مشاغلك خارج غرفة المائدة، كان من أهم العوامل المساعدة على فتح الشهية وسرعة هضم الطعام.

لتتخيّل نفسك جالسًا على مائدة الطعام، وتضع أول لقمة في فمك.. فيرن الهاتف ليقطع وجبتك الأساسية واستمتاعك بما تأكل، وينقلك إلى جو آخر، فما الذي يمكن أن تقوله إزاء هذا السلوك؟! لا شك أن هذا أمرًا غير مريح، إنه سلوك سيىء، ففي حالة تركك الطعام يسرع الشعور بالشبع فلا يأخذ الجسم كفايته من الغذاء نتيجة انشغالك بأمور أخرى، والنتيجة هي العديد من المشكلات الصحية، وتقع في أسر الإرهاق والإعياء، لذا يجب عند إقبالك على تناول الطعام، أن تهيىء الجو الهادىء الجميل، والابتعاد قدر الإمكان عن المنغصات والمثيرات التي تؤدي إلى انشغالك عن وجبتك الغذائية الأساسية، أطفىء الجوال أو لا تستجيب لمؤثراته، دعه يرن، ويرن .. تناول وجبتك دون أن تشبع معدتك، فالاعتدال في الأكل يجعلك تشعر بالراحة.

تستثير العوامل النفسية المضطربة الجهاز الهضمي، إذ يتوقف السير الطبيعي لعملية الهضم، ويُحدّ بصورة ملحوظة من إفراز اللعاب، وتتوقف تقلصات المعدة، ويقلّ إفراز إنزيماتها الهاضمة، وتتأثر عملية امتصاص الغذاء المهضوم في الأمعاء، ويظهر ذلك كلّه في صورة عسر هضم مزمن.

من هذا المنطلق نجد أن حياتنا مفعمة بصور شتى من الانفعالات والضغوطات النفسية، وتراكم الأعمال وسرعة إيقاع الحياة العصرية، وبنظرة سريعة لعاداتنا الغذائية نجدها بعيدة كل البعد عما يجب أن تكون عليه، وبدأنا نلحظ الكثير من الناس يجلسون كثيرًا ويأكلون كثيرًا، وبتنا نشهد ونسمع عن أمراض ما كنا نسمع بها أبدًا، حرمتنا من مباهج الحياة.. وأفسدت علينا استمتاعنا بكل أوقات يومنا.. العالم المليء بالكثير من المشكلات والقضايا الشائكة ذات الأبعاد الصحية الخطرة ليس بإمكاننا تجنبها، ملأنا بطوننا من الأغذية قليلة النفع، واعتدنا على تناولها كيفما اتفق، وإذا استمررنا على هذا النهج، وهذا النمط العصري الذي صنعناه بأيدينا، فإننا سنعيش يومنا تحت تأثير العلاج الدوائي، وسندفع ثمن ذلك غاليًا، في قائمة طويلة من الأمراض والتبعات، بل قد نصل إلى حالات مرضية تنهش أجسامنا، وتسلبنا أحاسيسنا، وتهدد مصيرنا!!


error: المحتوي محمي