
رحلة بدأتها بالبحث، وختمتها بالذهب، وما بين البحث والذهب حكاية لـ{شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}.. عكفت على كشف أسراره النحالة دينا جعفر العبد الرضا، لتسجل اسمها ضمن نحالي المملكة العربية السعودية المرخصين، ولتكون واحدة ممن ينتجون عسل المانجروف الذي اختصت به محافظة القطيف.
طفولة تخيفها الحشرات
بالعودة إلى طفولة "دينا" التي تصاحب النحل حاليًا، لن يتفاجأ الكثيرون حين يعلمون أنها كانت تخاف جميع الحيوانات والحشرات، شأنها في ذلك شأن أغلب بنات حواء.
وقد ولدت كابنة وحيدة بين أخويها محمد وعلي، ونشأت وسط أسرة لا تشبه أسر بعض النحالين، فبالإضافة لخوفها من الحشرات، ورثت من عائلتها عدم الاهتمام بعالم النحل، وكان كل ما يربطهم به هو ذلك الشراب الذي يشترونه لمنافعه ومذاقه.
علاقة أنجبها "البحث"
كبرت ابنة سيهات وهي محبة للقراءة والاطلاع على كل ما هو جديد في كل مجالات الحياة، ولربما كان هذا واحدًا من بذرات تحولها لنحالة، فأول العلاقة كما تقول: "البحث".
أما أصل حكايتها مع "العسل"، فتعود لفترة جائحة كورونا، حين كانت دائمة البحث عن العسل الحقيقي لها ولعائلتها لرفع المناعة ولزيادة الفائدة، ولأنها -حسب وصفها- كانت في فترة الجائحة مثل معظم الناس مهتمة بما تأكل وما تقدم لأسرتها، فإن بحثها عن العسل الطبيعي والصافي تمامًا كان بمثابة الهاجس لديها، ومن هنا بدأ المشوار الحقيقي لدخولها هذا العالم.
فكرة طارئة = علاقة شغف
تروي "دينا" لـ«القطيف اليوم»، تفاصيل خوضها مهنة النحالة، قائلة: "كان دخولي هذه المهنة من باب الاستكشاف ومعرفة خبايا وأسرار عالم العسل وطرق استخراجه بالطرق السليمة وكيف أصل إلى العسل المذكور في القرآن الكريم، فبعد بحثي عن عسل يصل للمواصفات التي أطمح لها، فاجأت زوجي بفكرة؛ لماذا لا ندخل هذا العالم؟!.. لكنه رد مفاجأتي بالرفض، لم يكن رفضًا قاطعًا، ولكن كان خائفًا عليّ من التعامل مع النحل، فمن لم يقترب من هذا العالم سيظن أنها حشرات مؤذية أو مخيفة، كما أنه تردد في الموافقة لأننا لم نكن نحتاج دخلًا إضافيًا فأنا وهو موظفان ووظيفتانا تؤمنان حياتنا".
وتمضي في حديثها: "طمأنت زوجي وأهلي بأنني لن أخوض في الفكرة دون أن أضع قدمي على العتبة الصحيحة لما أريد، لذلك قررت أن أتعرف على هذا العالم جيدًا، فبحثت وعملت دراسة جدوى لهذا العمل الصغير بمنفعتة الكبيره بإذن الله، وفي عام 2020 أكملت الإجراءات وأصبحت "نحالة" رسميًا".
"مرخصة".. ودعم الأهل يسندها
توضح "العبد الرضا" أنها بعد عمل دراسة الجدوى حصلت على الترخيص من جهة رسمية وهي وزارة البيئة والمياه والزراعة فرع القطيف، مشيدةً بتعاونهم وإفادتهم لها بكامل المعلومات من حيث الإرشاد والمتابعة.
وعن المشجع والداعم لها، أشارت بإصبع الثقة ناحية "العائلة"، التي وصفتها بالمشجع الأول، وكذلك زملاء العمل وكل من جرب العسل وحظيت منهم بدعاء الاستمرار.
دورات.. ومهام النحالة
سعت "دينا" لأن تمضي في طريقها كنحالة بخطوات صحيحة، وحتى تتمكن من الدخول لعالم النحل والاقتراب من الخلايا خضعت لدورات تدريبية من وزارة البيئة والمياه والزراعة في كيفية التعامل مع الخلايا والنحل.
وبعدها بدأت تؤدي عملها كباقي النحالين، ففي الموسم نقوم بشكل يومي بزيارة المنحل للكشف عن الخلايا وحركة النحل بشكل عام وتوفير الماء النظيف لنحلها، في منحلها المتنقل الذي تشرف عليه وزارة البيئة والمياة والزراعة في القطيف.
محاربة في عدة جبهات
العبد الرضا موظفة في شركة أرامكو السعودية، كما أنها عضو منتسب في الهيئة السعودية لتقييم العقار، وأم لطفلين، وعلى الرغم من تلك المسؤوليات التي تحملها على كاهلها، فإنها تهتم بمهنتها كنحالة، كما تسعى لأن تنتج عسلًا أهم مميزاته أن يكون نقيًا تمامًا من السكريات أو البروتين.
وحول سؤالنا عن كيف يمكنها أن توفق بين تربية النحل ودورها كأم ووظيفتها الأساسية، أجابت: "أنا لست هاوية، أنا باحثة ومستكشفة لهذا العالم العجيب وفيه إعجاز إلهي، ولأنني اعتمدت على إنتاج نوعين فقط هما عسل المانجروف وعسل السدر فإن هذا العمل يكون موسميًا وليس يوميًا أو شهريًا لذلك الحمد لله لا تتأثر مهامي كأم ولا عملي الوظيفي بعملي كنحالة".
وتابعت: "مع ذلك، فإنه خلال مواسم الإنتاج يتضاعف الجهد والتعب، لكن النهاية تكون سعيدة وجميلة وهي: عسل طبيعي كما هو مذكور في القرآن الكريم، في هذه اللحظات أنسى كل الصعاب، كما أن فريق العمل داعمون لي في كل الأوقات، وأنا أحاول قدر المستطاع أن أكون منصفة في العطاء كموظفة وأم ونحالة".
عسل بنكهة الذهب
بعد ثلاثة مواسم لها في إنتاج عسل المانجروف، وهو العسل الذي اختصت به محافظة القطيف، تصف "دينا" تجربتها بالرائعة، والتي أضافت لها الكثير من حيث المعرفة والفائدة والخبرة، ليس ذلك فحسب بل أيضًا توجتها بالذهب كأول نحالة سعودية من بنات حواء تنال جوائز ذهبية في مسابقة عالمية.
ففي شهر يونيو حصدت ميداليتين ذهبيتين في مسابقة لندن الدولية لجوائز العسل المقامة في بريطانيا لعام 2023، وذلك بعد أن أرسلت عينة لمختبر جودة العسل في مكة، وظهرت نسبة الإنزيمات عالية وممتازة جدًا، فاقترح عليها دكتور في المختبر أن تشارك في هذه المسابقة؛ لأنه وجد نتائج عسل المانجروف رائعة ويستحق المنافسة، وكذلك عسل السدر الذي تنتجه في جزيرة تاروت أيضًا، وكان الذهب حليفها عن نوعيّ العسل الذي شاركت بهما.
العالمية نصب عينيها
ختمت العبد الرضا حديثها بالهدف الذي وضعته نصب عينيها منذ دخولها إلى عالم العسل الطبيعي، موضحة أنها تسعى لنشر الوعي بهذا المنتج وإزالة الشك من أذهان الناس حوله، كما أنها تحاول أن تصل بالمنتج المحلي السعودي من سواحل القطيف -عسل المانجروف-، إلى العالمية وأن تصل إلى المستهلك العالمي وتعرفه أن المملكة العربية السعودية تنتج عسلًا يضاهي في جودته أفضل العسل في العالم.
.
لقاء مع دينا العبد الرضا خلال مشاركتها في فعالية عسل المانجروف 2
https://x.com/alqhat/status/1692275921535869089?s=46&t=kMAayB77PZfjpUrjDbf3gA